باريس وبرلين تراهنان على القمة الرباعية لإعادة البعد السياسي إلى الملف السوري

دعم أوروبي للإصلاح الدستوري بانتظار حسم واشنطن موقفها

TT

باريس وبرلين تراهنان على القمة الرباعية لإعادة البعد السياسي إلى الملف السوري

في 24 يوليو (تموز) الماضي، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير خارجيته جان إيف لودريان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس هيئة الأركان الجنرال فاليري غيراسيموف خلال توقفهما في باريس في زيارة خاطفة لم تعلن مسبقا.
المسؤولان الروسيان وصلا إلى العاصمة الفرنسية قادمين من برلين حيث التقيا المستشارة أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها هايكو ماس. ولتبرير الاجتماع مع رئيس الجمهورية وليس مع وزير الخارجية، قالت مصادر الإليزيه إن استقبال لافروف جاء بناء على طلب الرئيس فلاديمير بوتين قبل 3 أيام من اللقاء الذي تم عقب عملية إنسانية مشتركة فرنسية - روسية هي الأولى من نوعها في سوريا. وللتذكير فإن هذه العملية «20 و21 يوليو (تموز)» التي أثارت الكثير من الانتقادات في فرنسا لجهة «تطبيع» الهيمنة الروسية على سوريا و«محو» ما ارتكبته موسكو خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تمثلت بقيام طائرة أنطونوف روسية بنقل مساعدات إنسانية إلى مطار حميميم ومنه وزعت تحت إشراف الهلال الأحمر السوري والأمم المتحدة على الغوطة الشرقية.
المهم أن الإعداد لقمة رباعية روسية - تركية - فرنسية - ألمانية في إسطنبول في السابع من الشهر القادم وفق ما كشفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبل أيام لا يأتي من فراغ بل هو نتيجة تقارب أوروبي «فرنسي - ألماني» - روسي - تركي. ماكرون التقى بوتين مرتين آخرهما في 15 الشهر الماضي على هامش نهائيات كأس العالم لكرة القدم في موسكو والرئيسان يتشاوران بالهاتف دوريا وآخر مرة الأسبوع الماضي بناء على مبادرة من الأول. والأمر نفسه واقع بين موسكو وبرلين والرئيس الروسي سيكون في ألمانيا يوم السبت القادم للاجتماع بميركل في قصر ميسيبرغ الواقع على مسافة 70 كلم شمال برلين. وبحسب الطرفين، فإن سوريا ستكون أول مواضيع النقاش بين المسؤولين. وفي حالتي باريس وبرلين، فإن العاصمتين لم تجدا حرجا في استقبال رئيس هيئة الأركان الروسية رغم أن اسمه موجود على لائحة العقوبات الأوروبية التي فرضت على موسكو بعد ضمها شبه جزيرة القرم. لكن للضرورة، على ما يبدو، أحكامها ما يفسر القليل من الدعاية لوجود غيراسيموف في برلين ثم مباشرة بعد ذلك في باريس دون أن يثير ذلك حفيظة أحد من السياسيين أو حشرية أي وسيلة إعلامية.
بالتوازي مع التواصل الأوروبي - الروسي، ثمة اتصالات أوروبية - تركية قائمة على قدم وساق بعكس حال العلاقة المتوترة بين أنقرة وواشنطن. وفي الحالتين، يشكل الملف السوري نقطة التقاطع حيث تجهد موسكو لمقاربته من زاويتين متقابلتين: عودة النازحين واللاجئين من جهة وإعادة الإعمار من جهة أخرى. من هنا أهمية التركيز على باريس وبرلين اللتين ليس لهما، بعكس موسكو وأنقرة، حضور عسكري فاعل في سوريا.
تقول مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس إن «ما كنا ننتظره قد حل أخيرا» لجهة الحاجة إلى الأوروبيين «وغيرهم» في موضوع إعادة الإعمار في سوريا التي تقدر تكاليفها بما لا يقل عن 400 مليار دولار. وبحسب هذه المصادر، فإن الأطراف المؤثرة ميدانيا في سوريا «روسيا وتركيا وإيران» تعاني ثلاثتها من أوضاع اقتصادية صعبة أبرز صورها انهيار عملاتها الوطنية كما أن الثلاثة يخضعون لعقوبات أميركية بمستويات مختلفة. وخلاصة ذلك أنها غير قادرة على المساهمة بعملية إعادة الإعمار. من هنا -تضيف هذه المصادر- الحاجة لفرنسا وألمانيا باعتبارهما القوتين المؤثرتين في الاتحاد الأوروبي وهما قادرتان على جر الآخرين «كما الاتحاد» وراءهما الأمر الذي يبرر اختيارهما من قبل موسكو وأنقرة للمشاركة في القمة الرباعية الموعودة. وترى باريس أن موسكو هي «محرك» القمة وهي التي بلورت نظرية «إعادة الإعمار مقابل عودة اللاجئين والنازحين». وفي هذه النقطة بالذات، تلعب تركيا دورا مركزيا حيث تكفلت في العام 2016 بلجم تدفق النازحين واللاجئين عبر مرافئها باتجاه أوروبا مقابل مساعدات مالية أوروبية بالمليارات.
اللافت في هذا الملف أن روسيا «مع القبول التركي - الإيراني» أخرجت أوروبا من مسار أستانة وسوتشي حيث لم تحظ، بعكس الولايات المتحدة الأميركية، بمقعد «مراقب» وهمشت مسار جنيف الذي كان المحفل الوحيد لحضور أوروبي ضعيف رد عليه الغربيون بإيجاد ما سمي «المجموعة المصغرة» المشكلة من الدول الغربية الأربع «الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا» وثلاث دول عربية «السعودية والأردن ومصر التي ضمت أخيرا إليها».
وحتى الآن، لم يظهر أي أثر لما اتفق عليه الرئيسان ماكرون وبوتين بخصوص إيجاد «آلية تنسيق بين مجموعة أستانة و«المجموعة المصغرة» باستثناء عملية الغوطة الإنسانية المشار إليها سابقا. من هنا، فإن دعوة باريس وبرلين للمشاركة في القمة يمكن اعتبارها «محاولة إغراء» لجهة إعادتهما إلى الملف السوري بعد أن أخرجت منه تماما واستجابة «جزئية» للطرح الفرنسي - الأوروبي من أن الحل في سوريا يجب أن يأتي عن طريق تجميع الأطراف المؤثرة دوليا وإقليميا. لكن الغائبين المؤثرين الدوليين والإقليميين والعرب عن قمة إسطنبول القادمة كثر.
في أي حال، لن تكون مشاركة باريس وبرلين في القمة، في حال حصولها في موعدها المقرر مبدئيا، «مجانية» في الاتجاهين: فمن جهة، سيتعين على العاصمتين الأوروبيتين ومن ورائهما الاتحاد الأوروبي كمجموعة أن تساهما في عملية إعادة الإعمار. بالمقابل، فإن المصادر الدبلوماسية الأوروبية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» ترى أنها «الفرصة السانحة» من أجل أن تسمع أوروبا صوتها وأن تعود للتشديد على ضرورة «الحل السياسي» الذي يتعين التوافق حول مضمونه وآلياته شرطا للمساهمة في عملية إعادة الإعمار.
ويستطيع الأوروبيون، بانتظار أن تحسم واشنطن رؤيتها لمصير وجودها في سوريا ولتصورها لصورة مستقبل سوريا، التركيز على عودة دور الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الخاص ستيفان دي ميستورا للتوصل إلى دستور سوري جديد يفتح الباب أمام انتخابات تتمتع بالصدقية. لكن دون ذلك عقبات كأداء ليس أقلها أن الحرب لم تنته في سوريا والوضع المتفجر في إدلب ومصير الحوار المستجد والغامض بين النظام والأكراد في شمال شرقي البلاد والحضور الإيراني والتركي ناهيك عن متطلبات إسرائيل الأمنية وخلافها.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.