«من أهداف (لندن أرابيا للفنون والموضة بلندن) أن نُسلط الضوء على مدى ثراء ثقافتنا في العالم العربي، من خلال إبداعات مبتكرين وفنانين مؤثرين. ليس هذا فحسب، بل أيضاً أن تخلق جسراً بين الشرق والغرب»، هذا ما قاله عمر بدور في كلمته التي افتتح بها الدورة الثالثة من الفعالية التي تحتفل بالفن العربي، وتشمل معرضاً فنياً وعروض أزياء.
وأضاف عمر بدور، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لهذه الفعالية، أن «العلاقة بين الشرق والغرب ليست جديدة، بل تعود إلى عدة قرون... وكما تخللتها نزاعات وصراعات كثيرة، تخللتها أيضاً تعاونات فكرية وفنية كان لها تأثيرات إيجابية على المجتمعات».
ومثل كثير من الناس، يؤمن عمر بأن الموضة والفن لهما قوة لا يستهان بها، على الأقل من ناحية تقريبهما بين الثقافات والشعوب، وهو ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل تنامي السياسات الشعبوية، ومعاناة اللاجئين، وغيرها من المآسي. وقد تجسد هذا الرأي في فستان افتتحت به الفعالية في فندق الجميرة كارلتون تاورز، وسط لندن، صُنع كاملاً من قماش خيمة كانت تأوي عائلة سورية لاجئة في مخيم الزعتري، بالأردن.
الفستان الذي صممته البريطانية هيلين ستوري سبق عرضه في شهر مارس (آذار) الماضي، ضمن فعاليات «الإغاثة والتطوير»، في دبي. حينها، قالت المصممة إن أهميته تكمن في تاريخه وقصته الإنسانية، فقد «كان سكناً ومأوى لعائلة بأكملها».
وفي الإطار نفسه، تم عرض مجموعة من اللوحات الفنية التي سلط بعضها الضوء على معاناة إنسانية ما.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن الفعالية كانت، أولاً وأخيراً، فرصة لا تُفوت بالنسبة لمصممات أزياء عربيات شاركن فيها، فرصة لاستعراض مهاراتهن من جهة، ولتوطيد علاقة مع الغرب من جهة ثانية، خصوصاً أنه سيتم عرض تصاميمهن في محلات «هارفي نيكولز»، الواقعة بمنطقة نايتسبريدج، إلى الـ16 من شهر أغسطس (آب) الحالي، الأمر الذي من شأنه أن يفتح أمامهن الأبواب للقاء صناع الموضة، ومناقشتهم في مجالات الإنتاج والتسويق والابتكار، فالأمل من المشاركة في مثل هذه الفعاليات أن تصبح تصاميمهن متاحة في محلات عالمية.
وبما أن أبواب «هارفي نيكولز» ستبقى مفتوحة لهن إلى الـ16 من الشهر الحالي، فإن هذه المحلات أيضاً تأمل في الاستفادة من الأمر باستقطاب زبونات عربيات وجذبهن لدخولها. صحيح أن أغلب هذه التصاميم، إن لم نقلها كلها، متوفرة في السعودية والكويت والمغرب، إلا أن صورتها تتغير في عيون الزبون العربي عندما تكون في الخارج، فهي تكتسب فجأة نكهة متميزة وجاذبية أكبر، قد يكون مردها أن المزاج للتسوق يكون أقوى في الإجازات، خصوصاً أن السفر يرادف التسوق بالنسبة للسائح العربي عموماً.
التداخل بين الشرق والغرب كان واضحاً في عروض الأزياء، التي مزجت في أغلبها بين العصري والأصيل؛ العصري في الخطوط وبعض الأشكال الهندسية، والأصيل في التطريز الذي كان سخياً، مثلما هو الحال بالنسبة للمصممة السعودية لمياء السمرا التي كانت مسك الختام، حيث ركزت في مجموعتها على الألوان القوية والتطريز السخي والتصاميم المفصلة على الجسم. ولا بد من القول هنا إن تطريزها كان سخياً إلى حد كاد يغطى على التصاميم التي قالت إنها تحرص فيها على التفصيل الدقيق المدروس.
لكن إذا كانت الفكرة هي مزج الغربي بالشرقي، فإنها وفقت في ترسيخ أن الذائقة العربية لا تزال تعشق الفخامة، وكل ما يبرق ويلمع. وبتركيزها على الخطوط الغربية في التصميم، مثل البنطلونات الضيقة للغاية، مع جاكيتات مشبوكة بتنورات ذات ذيول طويلة وبعضها، وياقات مُبتكرة، إضافة إلى ضخها بالبريق، استطاعت أن تبرز نظرتها، ونظرة زبوناتها إلى مفهوم الترف، فهي بلا شك تعرف ما تردنه، بالنظر إلى باعها الطويل في هذا المجال، وإلى أنها سيدة أعمال متمرسة، فقد أطلقت «لاس بوتيك»، بمدينة الخُبر السعودية، في عام 2004، وهو عبارة عن محل متخصص تجمع فيه إبداعات ماركات من كل أنحاء العالم. وفي عام 2016 فقط، قررت أن تُطلق ماركاتها الخاصة.
ويبدو أن مفهوم التطريز كان على بال الأخوات الجابري، من علامة «فيلفت عباية» أيضاً. وقد افتتح العرض بمجموعة من فساتين السهرة، بألوان طبيعية وترابية مطرزة بحبات اللؤلؤ، تقول مصممتها أسماء ناصر الجابري إنها أخذت فيها بعين الاعتبار كثيراً من العناصر، على رأسها أن تكون مناسبة للبيئة العربية، وهذا يعني تقيدها بالحشمة، الأمر الذي يفسر ياقاتها العالية وأكمامها الطويلة.
ولأن من أهداف الفعالية أن تحتضن مصممات من كل أنحاء العالم العربي، فقد مثلت كل من هيا الخرافي، وهي مصممة وسيدة أعمال، وسحر الحمود مؤسسة «ماي بوتيك»، الكويت. وأجمل ما مميز تصاميمهما، إلى جانب التطريز طبعاً، استعمالهما لأقمشة في غاية العصرية، فهي تبدو عُضوية منعشة أكثر منها مترفة بالمفهوم التقليدي، مثل الموسلين أو الساتان أو المخمل أو نحوها.
أما المغرب، فمثلته الأختان مريم وليلى حجوجي، مؤسستا ماركة «رافينيتي»، من خلال مجموعة قفاطين تجمع الأصالة والمعاصرة. ولم تخف مريم أن القفطان جزء من الثقافة التي نشأت عليها، وبالتالي لا يمكنها الانسلاخ عن هذه الثقافة مهما كانت الرغبة في معانقة الغرب، وأضافت أن القفطان، بعنفوانه وجمالياته، لا يحتاج إلى تطوير، أو أي محاولة لإقناع الغرب به، لأنه يبقى قطعة شرقية لها تاريخها وإرثها، وهذا يعني أنه من الصعب إخضاعه لتغييرات جذرية، لهذا السبب كان واضحاً في عرض الأختين حجوجي أنهما صبتا كل طاقتهما الابتكارية على الزخرفات والتطريز، بينما حرصا أن تأتي الخطوط ناعمة تعانق الجسم.
وللوصول إلى هذه النتيجة، اختارتا أقمشة خفيفة جداً، فيما أخذت التطريزات أشكالاً هندسية مستقاة من الآرت ديكو حيناً، فيما أعطت الانطباع أنها ياقوت وزمرد وألماس حيناً آخر. وفي حالتهما، كان التطريز طبيعياً، ومن تحصيل حاصل، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه جزء من إرثهما الشخصي، فعائلة الحجوجي تشتهر في المغرب بصناعة المصوغات الذهبية، وتتاجر فيها منذ عدة عقود، ولم تتفرع لتصميم القفطان والعباءات إلا منذ سنوات، بعد أن شعرت كل من مريم وليلى بأن بداخلهما طاقة تريدان التنفيس عنها بتصميم قفاطين تحترم التراث، لكن من دون تقديسه، حتى يأتي مناسباً لامرأة معاصرة.
«لندن أرابيا للفنون والموضة في لندن»... عين على الشرق وأخرى على العالمية
العاصمة البريطانية تستقبل مصممات عربيات على أمل ربط جسر ثقافي وفني بينهما
«لندن أرابيا للفنون والموضة في لندن»... عين على الشرق وأخرى على العالمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة