الصدر يطرح مبادرة مشروطة لنزع السلاح

مراقبون يستبعدون تطبيقها لغياب الثقة بين الأطراف

TT

الصدر يطرح مبادرة مشروطة لنزع السلاح

دعا زعيم التيار الصدري، أول من أمس، القوات العراقية ووزارة الداخلية إلى البدء بحملة لنزع السلاح في «مدينة الصدر» بعد عطلة عيد الفطر وتعميم التجربة بعد ذلك على بقية المناطق. وجاءت مبادرة الصدر بعد يومين من انفجار كدس للعتاد في مدينة الصدر يعود لـ«سرايا السلام» التابعة للتيار الصدر، وأدى إلى أضرار جسيمة في صفوف المواطنين ومنازلهم.
وتأتي دعوة الصدر «لإبداء حسن النية ومن منطلق تقوية الدولة العراقية» كما ورد في بيان أصدره وقال فيه: «على الجميع إطاعة الأوامر وعدم عرقلة هذا المشروع وتسليم السلاح من دون أي نقاش لأن دماء العراقيين أغلى من أي شيء آخر عندنا».
لكن الصدر اشترط أن تشمل المبادرة جميع الفصائل، وذكر أنه لا يريد أن يكون «المستجيب فقط التيار الصدري، بل جميع الشعب بكل انتماءاتهم وفصائلهم، وألا يكون هذا المشروع استهدافاً للتيار فحسب كما هو حال استهدافهم في كل الموارد السياسية والعسكرية والاقتصادية». ونصح الصدر بأن «يباع السلاح لإعمار المناطق الفقيرة، وأن يكون السلاح والمال بيد حكومة».
ورغم أن حادث انفجار كدس العتاد في مدينة الصدر لم يأت بجديد لجهة معرفة الناس بمخازن عتاد الفصائل المسلحة المنتشرة على نطاق واسع في المناطق الشيعية، فإن حجم الدمار الذي وقع أحدث صدمة شديدة بين صفوف المواطنين ووضع الدولة ومؤسساتها الأمنية إلى جانب الفصائل المسلحة أمام حرج شديد؛ ما أدى إلى فتح باب التساؤل واسعاً أمام جدوى وفائدة انتشار السلاح وتخزينه في منازل المواطنين، وبالتالي إمكانية نزعه وإعادته إلى الدولة، لكن أغلب المراقبين يستبعدون إمكانية ذلك بالنظر إلى حالة العداء وعدم الثقة القائمة بين الفصائل الشيعية المسلحة من جهة، وضعف الدولة ومؤسساتها الأمنية من جهة أخرى.
وفي حين أعرب وزير الداخلية قاسم الأعرجي عن تقديره مبادرة الصدر، واعتبر أنها تساعد في عملية نزع الأسلحة، يستبعد رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي إمكانية تنفيذها، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن «الصدر أراد امتصاص غضب الناس بعد حادث مدينة الصدر عبر طرح مبادرة نزع السلاح». ويرى أن «ترك الصدر الباب مفتوحاً أمام نزع فصيل سلاحه واشتراطه مبادرة الآخرين بنزع سلاحهم دليل على أن الموضوع مقعد بدرجة كبيرة». ويعتقد الهاشمي أن «لا أحد من الفصائل المسلحة سيجازف بنزع سلاحه، وما حدث أزمة ستمر وتنتهي شأن بقية الأزمات، لتبدأ بعد فترة أخرى أزمة ومشكلة جديدة».
بدروه، يرى القيادي في منظمة «بدر» النوري كريم، أن «عملية نزع أسلحة الفصائل قضية معقدة، لكن مبادرة الصدر خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن جاءت متأخرة بعض الشيء». ويقول النوري في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن «وجود السلاح بيد فصائل مسلحة وبعيداً عن سيطرة الدول يمكن أن يوظف في أي لحظة في الصراعات الحزبية، وهو أمر يهدد السلم الأهلي وهيبة الدولة». ويعتقد أن «أزمة الثقة بين الفصائل الشيعية المسلحة سيؤدي إلى تعطيل عملية نزع السلاح ولا يساعد على تعزيز قوة الدولة، وقد يدفع باتجاه حرب أهلية طاحنة».
ويلفت النوري إلى أن «ضعف الدولة وانعدام الثقة بين الفصائل أهم أسباب انتشار السلاح، كما أن اشتراط بعض الفصائل عدم تسليم سلاحها إلا بعد تسليم الآخرين سلاحهم، أمر يعقد الأمور، ومن الخطأ الكبير ربط تسليم السلاح بالآخرين».
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة إياد العنبر، أن مشكلة المبادرة التي تقدم بها الصدر أنها «تصدر عن الجماعات التي تنافس الدولة في عملية احتكار القوة والسلاح». ويلفت العنبر في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «عملية اختبار صدقية الدعوة لا يكون من خلال إصدار البيانات، وإنما في الموقف الحقيقي من بناء الدولة القويّة القادرة على بسط الأمن ومنع وجود السلاح خارج مؤسساتها الرسمية». ويشير العنبر إلى مفارقة شائعة في مشكلة السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، وهي أن «جميع القوى السياسية التي تملك فصائل مسلحة هي من ترفع شعار حصر السلاح بيد الدولة، لكن تشترط التزام الفصائل الأخرى المنافسة لها سياسياً وعسكرياً».
ويعتقد العنبر أن «الاختبار الحقيقي للالتزام بدعوى نزع السلاح تتمثل في مدى التزام القوى التي ستشكل الحكومة المقبلة في التنازل عن السلاح الخارج عن إطار المؤسسات الأمنية الرسمية، ولا سيما أن الكتلتين الكبيرتين (سائرون والفتح) يملكان الفصائل المسلحة الأكثر نفوذاً وتأثيراً».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.