أطلق مركز باربيكان الثقافي في لندن، برنامجاً سينمائياً في شهر مايو (أيار) الحالي، ركز فيه على أفلام ما بعد فترة حقبة الاستعمار الفرنسي لأفريقيا، لمخرجين حاولوا البحث عن لغة سينمائية مغايرة للنمط الغربي أكثر ارتباطاً بثقافتهم وتاريخهم الخاص.
ومن بين هؤلاء المخرجين المغربي مومن السميحي الذي يتعامل منذ السبعينات مع تحدي تخيل لغة جديدة للسينما، تعبر عن الثقافة المحلية. وقد أسس ضمن مبدعين مغاربة آخرين، هوية وطنية لما بعد مرحلة الاستعمار، تقطع مع الموروث الغربي، إلا أن هذه القطيعة توجت في حدود سنة 1975 بشريط «رياح شرقية» الذي عرض في التظاهرة بمناسبة الذكرى المئوية لحصول المرأة البريطانية على التصويت.
«رياح شرقية – عنف الصمت»، شريط حول امرأة تدعى عايشة انقلبت حياتها، عندما قرر زوجها الزواج من امرأة أخرى. يختزن الفيلم الحوار الذي يمكن أن يقال في حالة الغضب هذه إلى انفعالات تعبر عنها العيون والجسد الحرون عن الحياة بطعامها وبهجتها. إلى أن تلجأ عايشة إلى عالم السحر والشعوذة تطلب المساعدة لاسترجاع الزوج الذي يقدمه الشريط يكثر من الصلاة، لكنه يطلب الزواج من امرأة أخرى. عايشة وحيدة وعاجزة والأم تكتفي بالفرجة والتمتمة بمسبحتها.
الموسيقى التصويرية والغناء المتداخل بأصوات رجالية ونسائية تشتبك مع الصمت لترفع من حدة التوتر.
يتابع الفيلم وجع عايشة الجريحة في كبريائها وهي تجول المدينة بخلفية أخبار تبث في مقهى شعبي عن أخبار الحرب واغتصاب إسرائيل لفلسطين وحضور الأوروبيين في طنجة منتصف الخمسينات، (كانت منطقة دولية تقع تحت الإدارة المشتركة لفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة) حيث تجري أحداث الفيلم، وفي حفلهم في مدخل فيلا تبادلوا النظرات هم وعايشة بحجابها ولباسها التقليدي؛ فمنحوها نظرة فوقية وهي تسير حاملة طيرها المهيأ للذبح في طقوس قادمة لاستعادة رجل البيت، ومنحتهم هي نظرة باردة كأنما تقول ماذا تفعلون هنا حتى مشكلتي لا تستطيعون أن تساعدوني بها؟
أما الفيلم الآخر في التظاهرة، فهو أول شريط روائي - تسجيلي قصير لمؤمن السميحي عنوانه «السي موح المنحوس - 1971» كما سابقه، بالأبيض والأسود.
يسير موح (مختصر اسم محمد بالمغربية) في شوارع مدينة فرنسية يبحث عن عمل وهو الحالم بفرص الحياة خارج المغرب أو خارج طنجة المكان المفضل للسميحي. الصمت سيد الحوار هنا، أيضاً، تغطيه خلفية صوتية تعبر عن ضجيج المدينة التي يميزها صوت القطارات وورش المعامل. لكن فرص العمل بعيدة المنال لموح المنحوس في المدينة الشاسعة التي يبدو صغيراً أمام مبانيها العالية، فيتحول إلى مشرد ينضم إلى عشرات المشردين الذي يقيمون حياة موازية في الأنفاق المترو.
في لفتة نبيهة في الفيلم يلمح موح مانشيت صحيفة عربية في يد صديقه تتحدث عن التصدي لإسرائيل، وكأن حاله ينادي لو أن بلاده تتصدى أيضاً للفقر والبطالة التي تدفعه وأمثاله خارج الوطن.
سبق لمومن السميحي وأن عرض أفلامه أمام الجمهور البريطاني بلندن ومانشستر بين الأعوام 2000 - 2014: «وقائع مغربية» بمهرجان لندن الدولي «العايل - طفولة متمردة» بجامعة مانشستر: «رياح شرقية» بمتحف تايت مودرن.
عن آخر إنتاجه السينمائي يقول السميحي لـ«الشرق الأوسط»، إنه قدم فيلم «مع طه حسين» سنة 2015 ومدته ساعة ونصف. وهو محاولة بالأسلوب التلفزيوني للفت نظر الجاليات العربية بالغرب والمتفرج الغربي عموماً، إلى أهمية هذا المفكر والكاتب العربي في القرن العشرين العالمي.
مؤخراً، كان السميحي بشيكاغو، حيث عرض بجامعتها فيلم «العايل طفولة متمردة» إنتاج عام 2005
في هذا الفيلم يقفز المخرج المغربي بعيداً عن بداياته ليصور مدينة طنجة في الخمسينات أيضاً، لكنها هذه المرة بالألوان ومن وحي ذاكرة طفل يدعي محمد العربي ابن العائلة التقليدية المتآلفة. وكان من اللافت أن الوالد مسلم تقليدي متسامح لا يمثل الأبوة المتسلطة كما يظهر في أفلام أخرى في المنطقة. غير أن الطفل يعيش ازدواجية ثقافتين عربية وغربية، حيث يكتب من اليسار إلى اليمين في المدرسة صباحاً ومن اليمين إلى اليسار في دروس الدين والعربية.
«العايل - طفولة متمردة» فيلم مبهج وجميل بتقديمه تفاصيل عن هذه المدينة الشهيرة بمقاهيها وأسواقها وحاراتها وأهلها، كل ذلك بحس الكوميديا الخفيفة النابعة من تناقضات الواقع.
خلاصة متابعة الأفلام الثلاثة تتسق مع تقديم كاتلوغ المهرجان البريطاني للمخرج المغربي مومن سميحي، الذي قال، إن «مخرجين من أمثال السميحي رغم أنهم استعاروا شكلاً فنياً وأدوات تقنية غربية، مهتمون بابتكار أشكال جديدة متلائمة مع الثقافة المحلية».
السميحي في لندن... نموذج لسينما مغربية بعيدة عن النمط الأوروبي
ساهم في مهرجان حول نظرة مخرجين إلى مجتمعاتهم بعد الاستعمار
السميحي في لندن... نموذج لسينما مغربية بعيدة عن النمط الأوروبي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة