الملموس سيصبح غير ملموس، ذلك أنّ الخدمات ستحلّ محلّ المنتجات، ما سيؤدي إلى تقليص فوائد ملكية الأشياء والأجهزة، التي ستتراجع لصالح حريّة الوصول... هذا ما يتوقعه كيفن كيلي، أحد مؤسسي ومحرري مجلّة «وايرد» الإلكترونية حين تحليله للنزعات التي سترسم مستقبلنا.
ويعتبر كيلي في حديث نقلته مجلة «فوربس» أنّ إمكانية حصول الناس على أي شيء يريدونه في أي مكان، وأي زمان، إلى جانب إمكانية تخلّصهم منه لاحقاً، لن تجعلهم يفكّرون في امتلاكه.
«إذكاء المنتجات»
من وجهة نظر كيلي، فإنّ الإذكاء (cognification) وهي عملية تزويد الأشياء بالذكاء عبر الاتصال، وتزويدها بأدوات استشعار وتضمينها برامج كومبيوترية/ أو نظم ذكاء صناعي، هي النزعة التقنية الأكثر تأثيراً في المدى القريب. وكان كيلي قد قدّم شرحاً مستفيضاً لهذه النزعة في كتابه «المحتوم» (ذا إينيفيتابل).
ويشرح كيلي: «إن التقنية التي تتيح إذكاء الأشياء هي القوة الأعظم التي ستسيطر على العالم خلال العقود المقبلة. وعلى المدى البعيد، ولنقل الأعوام الخمسين أو المائة المقبلة، سترقى هذه القوة إلى مكانة الثورة الصناعية، إذ إن الذكاء الصناعي سيلقي بثقله على جميع مناحي حياتنا كالرياضة والطعام والأزياء والتعليم والجوانب العسكرية ونطاق الأعمال... وسيكون له تأثير كبير جداً على مليارات الناس».
صعود الصين
أما الصين فستلعب دوراً كبيراً في مستقبلنا. ويستطيع الزائر لها الاطلاع على ما توفره متاجرها للمستهلكين حول العالم، ويعتقد أنّ الخفّة التي يتميّز بها سكانها المليار و400 مليون ستجذب في وقت قريب دولاً متطورة أخرى إلى الفلك الصيني. قد ننتظر لسنوات قبل بلوغ نقطة التحوّل هذه، ولكنّ كيلي يشعر أنها تقترب يوماً بعد آخر.
ووفق تقدير هذا المؤلف، فإن أمام الصين من 5 إلى 10 سنوات حتى تتوصل إلى صناعة منتج عالمي حقيقي يرغب فيه الجميع حول العالم. قد يكون هذا المنتج سيارة ذاتية القيادة، أو روبوت، فالصين لا تزال مجتمعاً ناسخاً، كما كانت اليابان لسنوات طويلة قبل أن تسجّل اختراقاً جديداً بجهاز «وكمان» من سوني والكاميرات وغيرها من الأجهزة التي يريدها الناس. احتلت اليابان الصدارة في إنتاج هذه الأجهزة، ويعتقد أنّ الصين قريبة جداً من هذه اللحظة أيضاً.
ويعزى اقتراب الصين من الوصول إلى مرحلة الإنتاج المتواصل للسلع إلى تغييرين ثقافيين تشهدهما؛ هما:
> دور الولايات المتحدة. بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فإنّ مرحلة انتقالية صعبة تلوح في أفقها. ويقول كيلي: «أظنّ أن ترمب هو النفس الأخير لدولة خسرت لقبها كنموذج صناعي رسم هوية كثير من العمال القدماء. كما أن الولايات المتحدة ليست القوة العظمى الوحيدة في العالم، وهو أمر يصعب تقبّله على الصعيد النفسي. نحن نرى اليوم بعضاً من الألم الناتج عن هذه الحقيقية، وأظنّ أنّ تجاوزه سيتطلّب جيلاً كاملاً».
> مستقبل التعليم. يعتبر التعليم العالي من المؤسسات شديدة التأثر بالتكنولوجيا الحديثة. وفي الوقت الذي عانت فيه الأجيال السابقة من ضغوطات الأهل والمجتمع لبلوغ مرحلة التعليم الجامعي، يتمتع طلاب المرحلة الثانوية اليوم بفرصة اتخاذ القرار. ففي حال كان الفرد يشعر أنّه قادر على تحفيز نفسه، وعلى ترتيب وتطوير تعليمه الخاص، هذا يعني أنه لا يحتاج إلى الجامعة. أمّا في حال كان يشعر أنه يحتاج إلى التحفيز والتشجيع ليتمّم أشياء معينة، هذا يعني أن الدخول إلى الجامعة هو غالباً الخيار الأصحّ بالنسبة له.
رواد حقيقيون
مع تزايد اتصال حياتنا وأجهزتنا بالإنترنت، ستستمر العلاقة بين الزبون والصانع بالتطور بشكل لافت. وكما ذكر كيلي في موضوعه الشهير «1000 مناصر حقيقي»، يمكن للفنانين كصانعي الأفلام والموسيقيين ومصممي الألعاب أن يقدّموا منتجات وخدمات لزبائنهم دون الحاجة إلى وسيط مثل استوديوهات للأفلام، أو الحصول على ماركة مسجلة، أو وجود شركة للبرمجة.
في المقابل، يستطيع الزبائن أن يدفعوا لهؤلاء بشكل مباشر. بمعنى آخر، يحتاج أصحاب الأعمال اليوم في ظلّ الاقتصاد الجديد والديمقراطي إلى قاعدة أصغر من المشجعين لجني الأرباح، أي أقل مما كانوا سيحتاجونه في ظلّ الاقتصاد القديم الذي تتحكّم فيه أطراف تكون قيمة عليه.
وأخيراً، يختم كيلي: «تصل الإنترنت جميع من على الأرض بعضهم ببعض، إلى حدِّ أنّ أكثر الفئات حصرية وغموضاً وحصراً ستجد ألف شخص آخر يشاركونها الاهتمام نفسه. ومما لا شكّ فيه أنّ هذا الخبر يعتبر مبشراً للأشخاص الذين يرغبون في جني أرباحهم من خلال العمل في الأمور التي يحبونها».