ما هي الأطعمة التي كان يتناولها القدماء؟ وهل عرفوا تخزين المحاصيل الغذائية بما يسمح لهم بتناولها في غير مواعيد زراعتها؟ قد تكون الإجابة على هذه الأسئلة سهلة إذا تم العثور على كتابات تمنح تصوراً لما كان يحدث، كما هو الحال في المجتمعات المصرية القديمة، ولكن الوضع يبدو مختلفاً في بعض المجتمعات الأخرى، ليكون البديل المتاح هو تحليل النظائر غير المشعة المستقرة في الأنسجة.
وأخيراً، تمكنت الباحثة بقسم الأنثروبولوجيا البيولوجية بالمركز القومي للبحوث في مصر، ولاء أبو بكر باشا، من التوصل إلى أسلوب لدراسة التنوع الموسمي في الغذاء في مجتمع من النوبة السودانية المعروف باسم كلوبنارتي (Kulubnarti) (ينتمي إلى الفترة 550 - 800 بعد الميلاد)، وارتكزت في بحثها، الذي نشرت نتائجه في أبريل (نيسان) الحالي بمجلة «علم الآثار» (Journal of Archaeological Science)، على تحليل نظائر الكربون في أنسجة الشعر.
وتقول الباحثة لـ«الشرق الأوسط»، إن «نظائر الكربون الموجودة في الأنسجة الحيوانية هي انعكاس لتلك الموجودة في الأطعمة المستهلكة خلال حياة الكائن الحي، لذلك فإن وجودها بأنسجة الكائن الحي بعد وفاته يكون مؤشراً لنوعية الأطعمة المستهلكة خلال حياة الكائن الحي».
ونظائر الكربون هي المركبات التي تحتوي ذرات الكربون، التي تنقسم إلى نوعين هما «c3»، و«c4»، حيث توجد الأولى في نباتات الطقس المعتدل، بينما تظهر الثانية في نباتات الطقس الحار.
واستخدمت الباحثة 40 عينة شعر من مقبرتين بموقع «كلوبنارتي»، وتم الحصول عليها من قبل بنك الأنسجة المصرية القديمة «KNH» بقسم المصريات بجامعة مانشيستر، ثم تم إرسالها لتحليل النظائر المستقرة للكربون بمعمل علوم النظائر الجيولوجية في نوتنغهام بإنجلترا.
وتوضح أن فريقاً من المشرفين في مصر وبريطانيا تولى متابعة خطوات هذا البحث، ومنهم أندروا تشامبرلن، أستاذ الآثار البيولوجية بجامعة مانشستر، ومشيرة عرفان زكي، أستاذ الوراثة البشرية بالمركز القومي للبحوث، ووفاء عبد السميع قنديل، أستاذ الأنثروبولوجيا البيولوجية ورئيس معهد «تيودور بلهارس»، وناجي حسن فارس، أستاذ بيولوجيا الخلية والأنسجة بجامعة عين شمس، وبالتعاون مع أنجيلا لامب بمعمل علوم النظائر الجيولوجية بنوتنغهام.
وتشرح الباحثة هذه الطريقة قائلة إن «تحليل نظائر الكربون للشعر يعطينا معلومات مهمة جداً، حيث إن أنسجة الشعرة تنمو تقريباً بمقدار 1 سم في الشهر، ويتم تسجيل نسب النظائر تتابعياً بطول الشعرة، فمثلاً 2 سم من الشعر تسجل نسبة نظائر الكربون الموجودة في الطعام المستهلك خلال شهرين من حياة الفرد، ولذلك عند تقسيم شعرة طولها 12 سم إلى أجزاء متتابعة (كل 2 سم مثلاً) وتحليل كل جزء يمكن تتبع التنوع في الغذاء، وتحديد مدى الاختلاف فيه إن وجد على مدار عام كامل من حياة الفرد».
وعن أبرز النتائج التي تم الحصول عليها بعد استخدام هذه الطريقة، تشير الباحثة إلى أن «نتيجة تحليل نسب نظائر الكربون لمجتمع (كلوبنارتي) كشفت عن تنوع الغذاء بين الصيف والشتاء، حيث كان هناك اعتماد على نباتات القمح والشعير في الشتاء، وهو ما كشف عنه وجود مركبات c3، أما في الصيف فقد كانت نباتات الذرة أكثر استهلاكاً، وهو ما كشف عنه وجود مركبات C4».
وتضيف: «هذا التنوع في نوع النباتات ربما يدل على أن تخزين المحاصيل الزراعية لم يكن يتم بصورة كبيرة في (كلوبنارتي)، حيث كانوا يتناولون المحاصيل الخاصة بكل موسم».
شعر مومياوات «كلوبنارتي» السودانية يبوح بأسرار غذاء القدماء
باحثة مصرية: مجتمعات قديمة كانت تتناول المحاصيل في مواسمها
شعر مومياوات «كلوبنارتي» السودانية يبوح بأسرار غذاء القدماء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة