بعد انتظار شهور جاء الرد إيجابياً. طارق عزيز وزير خارجية العراق ونائب رئيس الوزراء يوافق على إجراء مقابلة تلفزيونية في برنامجي على شاشة «المؤسسة اللبنانية للإرسال». كان العراق محاصراً، ومن غير الممكن الوصول إلى بغداد من بيروت إلا براً عبر دمشق. كنا أربعة أشخاص: المخرج، والمعد، والسائق... وأنا.
انطلقنا في الساعات الأولى من الفجر كي نصل إلى الحدود السورية - العراقية قبل الثامنة مساء. المحطة الأولى فندق «الشيراتون» في دمشق، قهوة ودردشة حذرة من مخبر ما في زاوية ما من هذا المكان. بعد 16 ساعة وصلنا الحدود العراقية شبه الخالية. في فندق «الرشيد» على الأرض، وعند باب الدخول، موزاييك منقوشة عليه صورة جورج بوش الأب. على كل زائر أن يدوس على وجه الرئيس الأميركي، ورجلان من المخابرات يراقبان ردات الفعل.
شعرت بأن حكايات القسوة والمخاطر التي واجهها الشعب العراقي سأعيشها كلها، وأن الأعمال الحكومية توقفت جميعها كي تتفرغ لهذه الصحافية الآتية من البلد الديمقراطي الصغير لبنان.
في الصباح، ذهبنا إلى مكتب طارق عزيز، واستقبلنا بحفاوة، وبعد المقابلة تجولنا في شوارع بغداد الجميلة في ساحة كمال جنبلاط وسوق الصفافير، وتحدثت مع الناس وأصحاب الدكاكين الصغيرة. وفي المساءِ تناولنا العشاء في منزل طارق عزيز وعائلته، تحدثنا في السياسة والفن والتاريخ.
مرت أربعة أيام نسيت الأمن والرصد والأشباح، وكانت مهمة صحافية رائعة. لمسنا الحياة تحت الحصار من جهة، والحياة بعد الحروب القاسية من جهة أخرى في ظل نظام قاسٍ. في العودة أوقفنا الأمن السوري على الحدود المشتركة مع العراق نحو الساعة تقريباً، وعند دخول الأراضي اللبنانية شعرت بالحرية، وكان ذلك رائعاً.
عند وصولي إلى مبنى «المؤسسة اللبنانية للإرسال» اتصل بي المدير العام، وقال لي: «الحمد لله على السلامة أين أنت؟ انتظريني يجب أن أكلمك في شيء مهم».
كان يوم إجازة، ووصلت إلى مبنى التلفزيون السادسة صباحاً، لم أفكر للحظة ماذا كان يريد، وإذا به يحضر بعد عشر دقائق، ويقول لي إن الأجهزة الأمنية اللبنانية تريد إيقاف برنامجي، لأنه منبر للقضية الفلسطينية. وطلب مني أن أحضر في اجتماع سينعقد بعد الظهر في مكتبه مع إحدى الشخصيات، لينقل لنا ما لديه من اعتراضات على البرنامج، وأن أستمع بهدوء كي نمرر هذه المرحلة.
وهذا ما حصل، فكان الاعتراض على استضافتي شخصيات فلسطينية وطنية معروفة، عيبها الوحيد أنها من المقربين للرئيس ياسر عرفات.
بعد عامين تقريباً مُنع ياسر عرفات من الظهور على الشاشة، ليتكلم مع القادة العرب في قمة بيروت، وهو محاصر في المقاطعة في رام الله.وطُردت من القناة بعد مقابلتي مع الرئيس حسني مبارك بمناسبة القمة التي لم يحضرها. فكان درساً رائعاً عن التضامن العربي وحرية التعبير في بلادي الصغيرة.
* إعلامية لبنانية