علاقات الطاقة بين السعودية وأميركا تتجاوز عصر «مبيعات النفط»

من استقرار الأسواق والمشروعات المشتركة إلى مستقبل الغاز والمفاعلات النووية

حوض للنفط الصخري.
حوض للنفط الصخري.
TT

علاقات الطاقة بين السعودية وأميركا تتجاوز عصر «مبيعات النفط»

حوض للنفط الصخري.
حوض للنفط الصخري.

في العقود الثمانية الماضية، كان النفط هو محور العلاقة الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة، ولكن هذا الأمر بدأ يتغير، ولم يعد النفط هو النقطة الرئيسية التي ستقوي الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
ويعود الأمر في هذا إلى أن الولايات المتحدة نفسها أصبحت تستورد نفطاً أقل من الخارج بعد الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الصخري، والذي سيجعلها تتخطى السعودية وروسيا من ناحية الإنتاج هذا العام.
وفي العام الماضي، انخفضت واردات الولايات المتحدة من النفط الخام السعودي بصورة أكبر من المعتاد نظراً للسياسة التي تنتهجها المملكة مع اتفاق خفض الإنتاج مع روسيا وباقي دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). وبفضل هذا الاتفاق اضطرت المملكة لتخفيض صادراتها للولايات المتحدة في النصف الثاني من العام الماضي بشكل ملحوظ.
وتظهر أرقام الواردات الأميركية من النفط السعودي أن المملكة منذ شهر يوليو (تموز) العام الماضي لم تعد تصدر للولايات المتحدة فوق المليون برميل يومياً. وفي هذا الشهر هبطت الواردات من النفط السعودي إلى 795 ألف برميل يومياً، من 1.015 مليون برميل يومياً في شهر يونيو (حزيران)، بحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وهبطت واردات أميركا من النفط السعودي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1988، لتصل إلى 563 ألف برميل يومياً، وهو تقريباً نصف ما استوردته أميركا في نفس الشهر في 2016.
ولكن هذا لا يعني أن المملكة لا تستطيع العودة إلى مستوى المليون برميل يومياً، ولكن هذا الرقم لن يزيد أكثر بكثير من المليون، وأصبح من الصعب أن تعود تلك الأيام عندما كانت صادرات المملكة فوق 1.5 مليون برميل يومياً.
ولكن المملكة ستظل تجمعها بالولايات المتحدة شراكات متعددة في الطاقة ومصالح أخرى لقطاع النفط، حيث يهم البلدان استقرار السوق النفطية، كما أن أرامكو السعودية تمتلك أكبر مصفاة في الولايات المتحدة وهي مصفاة موتيفا في بورت آرثر، التي تبلغ طاقتها التكريرية فوق 600 ألف برميل يومياً.
وتسعى أرامكو لشراء أصول جديدة في الولايات المتحدة كما عبر مسؤولوها التنفيذيون في أكثر من مناسبة، كما أنها تبحث عن صفقة جديدة في الغاز المسال وسبق وأن تحدثت مع بعض الشركات الأميركية، ومنها شركة تولوريون، بحسب ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» قبل أشهر.
ويجمع الإدارة الحالية للولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، نفس التوجهات مع الحكومة السعودية، إذ إن إدارة ترمب داعمة للنفط ولكل المشروعات التي تؤدي لزيادة إنتاجه. كما أن وزير الطاقة الأميركي ريك بيري أوضح الشهر الجاري في سيرا ويك في هيوستن في خطابه أن الولايات المتحدة لن تأخذ موقفاً عدائياً تجاه الوقود الأحفوري، خاصة أن هناك العديد من الدول النامية في العالم تحتاج للطاقة الرخيصة والنظيفة.
وبرز مؤخراً جانب مهم في التعاون السعودي الأميركي في مجال الطاقة، فيما يتعلق بالطاقة النووية، حيث تسعى المملكة إلى بناء مفاعلات نووية للاستخدام السلمي ولإنتاج الكهرباء، وتريد في الوقت ذاته أن تكون لاعباً مهماً في سوق اليورانيوم وأن تمتلك تقنية لتخصيبه خاصة أنها تمتلك نحو 3 في المائة من احتياطي اليورانيوم العالمي.
ويبدو أن المنافسة سوف تشتد على بناء المفاعلات النووية السعودية، حيث تبدي الولايات المتحدة اهتماماً شديداً في الموضوع في أعقاب إعلان روسيا أنها تقدمت رسمياً لبناء مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء في المملكة.
والتقى وزير الطاقة الأميركي ريك بيري مطلع الشهر الجاري في لندن بالمسؤولين السعوديين وعلى رأسهم وزير الطاقة والصناعة خالد الفالح للتباحث حول المشروع النووي السعودي.
ويبدو أن الأمر مهم جداً بالنسبة لبيري، حيث قالت مصادر أميركية إنه «ألغى رحلة إلى الهند من أجل الاجتماع بمسؤولين في البيت الأبيض، وتجهيز وفد ليأخذه معه إلى لندن من أجل الاجتماعات مع السعوديين».
وقالت وكالة بلومبيرغ إن الإدارة الأميركية تدرس السماح للسعودية بتخصيب اليورانيوم في المملكة لأهداف سلمية، وهو ما سيعطي أفضلية للشركات الأميركية التي ترغب في بناء مفاعلات في المملكة، مثل شركة ويستنغهاوس إلكتريك.
ولدى الحكومة الأميركية اتفاقيات مع بعض الدول تمنعها من السماح لها بتخصيب اليورانيوم مقابل نقل التقنية النووية إليها. وكانت مسألة تخصيب اليورانيوم في السعودية من بين المسائل التي عرقلت المفاوضات في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كما ذكرت بلومبيرغ.
وفي الرياض أعلن وزير الطاقة الروسي إلكساندر نوفاك في مؤتمر صحافي مشترك مع نظريه السعودي خالد الفالح، الشهر الماضي، أن شركة روس أتوم الروسية تقدمت بطلب رسمي إلى الحكومة السعودية من أجل بناء مفاعلات نووية في المملكة.
وذكر الفالح في نفس المؤتمر الصحافي أن السعودية تنوي طرح مناقصة هذا العام لبناء مفاعلين نوويين لإنتاج الكهرباء، ومن المرجح أن يتم ترسية المشروع في العام القادم.
وتنوي المملكة بناء 16 مفاعلاً للاستخدامات السلمية خلال العشرين إلى الخمسة وعشرين عاماً القادمة، باستثمارات تصل إلى 80 مليار دولار بحسب الاتحاد النووي العالمي.
وتدرس السعودية، التي تسعى لتقليص الاستهلاك المحلي للنفط، بناء قدرة لتوليد الكهرباء من الطاقة النووية تبلغ 17.6 غيغاواط بحلول 2032، وأرسلت في طلب معلومات من موردين عالميين لبناء مفاعلين.
وتلقى السعودية اهتماماً كبيراً من الصين وفرنسا إلى جانب أميركا وروسيا لبناء مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء.
وسبق أن نقلت تقارير إعلامية عن مصدر في مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة أن المملكة تلقت طلبات من خمس شركات دولية من الصين وفرنسا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وروسيا للقيام بأعمال الهندسة والبناء على مفاعلين نوويين.
ويتوقع البدء في بناء المفاعلين النووية بداية العام المقبل، بتمويل مشترك من الحكومة السعودية والشركة المنفذة. ومن المتوقع أن يكون حجم المفاعلين 2.8 غيغاواط.
وسبق أن قال الرئيس التنفيذي لشركة «إي دي إف» الفرنسية إن شركة المرافق الحكومية تريد المشاركة في خطط السعودية لبناء مفاعلات نووية.
وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، قالت وكالة الأنباء السعودية إن المملكة والصين تعتزمان التعاون في مشروعات للطاقة النووية عقب مناقشات بين البلدين بشأن سبل دعم برنامج الرياض للطاقة النووية. وأشارت الوكالة إلى أن المؤسسة الوطنية الصينية للصناعة النووية (سي.إن.إن.سي)، شركة تطوير المشروعات النووية الحكومية الرائدة في الصين، وقعت مذكرة تفاهم مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية «لتوثيق التعاون القائم بين الجانبين في مجال استكشاف وتقييم مصادر اليورانيوم والثوريوم».


مقالات ذات صلة

الإنتاج الصناعي السعودي يعاود ارتفاعه في أكتوبر مدعوماً بنمو الأنشطة الاقتصادية

الاقتصاد أحد المصانع في السعودية (واس)

الإنتاج الصناعي السعودي يعاود ارتفاعه في أكتوبر مدعوماً بنمو الأنشطة الاقتصادية

تحوّل الإنتاج الصناعي في السعودية للارتفاع مدعوماً بنمو الأنشطة الاقتصادية بصفة عامة وزيادة إنتاج النفط، وفق بيانات أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد خلال إحدى النسخ السابقة لـ«سي بي إتش أي الشرق الأوسط» (الموقع الرسمي للمعرض)

السعودية تستعد لنمو قطاع الأدوية 7.6% سنوياً حتى 2030

قطاع الأدوية في السعودية يشهد تغيراً جذرياً، حيث بلغت قيمته نحو 12.6 مليار دولار في العام الماضي ومن المتوقع أن يسجل نمواً سنوياً مركباً قدره 7.6 في المائة.

زينب علي (الرياض)
الاقتصاد وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه خلال كلمته في المؤتمر (الشرق الأوسط)

وزير الاتصالات السعودي في ملتقى الميزانية: تصدير التقنية في المرحلة المقبلة

قال وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي عبد الله السواحه إن المملكة تتجه في المرحلة المقبلة نحو تصدير التقنية بهدف فتح آفاق جديدة للأسواق العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من الجلسة الحوارية في «ملتقى ميزانية 2025» بالرياض (الشرق الأوسط)

الخريف: نتوقع إصدار 1100 رخصة صناعية في السعودية بنهاية 2024

قال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، إنه خلال العام الحالي، من المتوقع أن يتم إصدار 1100 رخصة صناعية، فيما دخل 900 مصنع حيز الإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد وزير الاستثمار متحدثاً إلى الحضور خلال «المبادرة العالمية لمرونة سلسلة التوريد» (الشرق الأوسط)

السعودية توسّع صفقاتها للمشاركة في سلاسل التوريد العالمية

تتجه السعودية إلى زيادة الوصول للمواد الأساسية، وتوفير التصنيع المحلي، وتعزيز الاستدامة، والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

السعودية تدين قصف إسرائيل مخيم النصيرات وسط غزة

فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
TT

السعودية تدين قصف إسرائيل مخيم النصيرات وسط غزة

فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)
فلسطينية تسير بين أنقاض مبانٍ دمرتها الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات (إ.ب.أ)

أعربت السعودية، الجمعة، عن إدانتها واستنكارها قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية لمخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وأكدت في بيان لوزارة خارجيتها، أن إمعان قوات الاحتلال في انتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي والإنساني، واستهدافاتها المستمرة للمدنيين الأبرياء «ما هي إلا نتيجة حتمية لغياب تفعيل آليات المحاسبة الدولية».

وجدّدت السعودية مطالبتها للمجتمع الدولي بضرورة التحرك الجاد والفعّال لوضع حد لهذه الانتهاكات الصارخة والمتكررة «حفاظاً على أرواح المدنيين، وما تبقى من مصداقية الشرعية الدولية».