المالكي يعزز قبضته على الحكم رغم تحميله مسؤولية الفوضى

رئيس الوزراء يستفيد من التحشيد الطائفي لتحييد رافضي ولايته الثالثة

المالكي يعزز قبضته على الحكم رغم تحميله مسؤولية الفوضى
TT

المالكي يعزز قبضته على الحكم رغم تحميله مسؤولية الفوضى

المالكي يعزز قبضته على الحكم رغم تحميله مسؤولية الفوضى

يشدد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من قبضته على السلطة ردا على الكارثة التي بدأت تتكشف في العراق، حتى مع إلقاء منتقديه اللوم على سياساته التي تسببت في الفوضى التي تمزق البلاد إربا.

وحشد المالكي الأغلبية الشيعية في البلاد وراء قيادته في الوقت الذي يقترب فيه المسلحون من العاصمة بغداد، وذلك على أثر دعوة لحمل السلاح أطلقتها أعلى مرجعية دينية شيعية في البلاد ووعود بدعم يأتي من إيران. وتوقفت مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وبدلا منها، فقد ألقت الفصائل الشيعية بدعمها وراء نوري المالكي بعد سعيهم الحثيث من قبل للحيلولة دون اعتلائه سدة السلطة لفترة ثالثة وسط مواءمة بينهم وبين سياسيين من السنة والأكراد بهذا الشأن.

ويبدو في الأفق خطر الاستقطاب العميق بين مختلف الطوائف المتصارعة في العراق؛ إذ تعج شوارع بغداد حاليا بالمسلحين الشيعة الذين جاءت استجابتهم لدعوة رجال الدين للقتال داعمة لموقف نوري المالكي وسط الأحداث. وقد ثارت المخاوف أول من أمس بين جموع السنة إثر ذيوع أخبار تشير إلى اكتشاف جثة إمام سني واثنين من مساعديه في مشرحة ببغداد عقب أربعة أيام من اعتقالهم على أيدي رجال يرتدون الزي العسكري. ورددت تلك الحادثة صدى الأحداث الدموية الطائفية التي ضربت طول البلاد وعرضها في منتصف العقد الماضي، وقد عززت من المخاوف بأن تجدد عمليات القتل بات وشيكا.

ويعترف مسؤولون مقربون من المالكي بأن سياساته الإقصائية وفشله في التواصل مع السنة قد ساهمت في سهولة سقوط الأجزاء ذات الأغلبية السنية في البلاد تحت سيطرة المتطرفين المرتبطين بـ«القاعدة» خلال الأسبوع الماضي، لكن مع ضغط هجمات المتمردين جنوبا في اتجاه العاصمة صرح علي الموسوي، المتحدث الرسمي باسم المالكي، قائلا: «ليس ذلك بالوقت المناسب لمعالجة مثل تلك المشاكل». وأضاف قائلا: «لا يناقش أحد فترة الولاية الثالثة الآن، ما نناقشه الآن هو كيفية استعادة تلك المدن ومواجهة ذلك الهجوم». وقال أيضا إنه لا توجد مناقشات حول تقديم المالكي لأي امتيازات تقول إدارة الرئيس أوباما إنها تسعى وراءها قبل تقديمها المزيد من الدعم لمحاربة المتمردين.

وقال الموسوي: «ليس الوقت مناسبا لمناقشة مثل تلك الإصلاحات السياسية التي يسعى خصوم المالكي وراءها، وإنه من شأنها أن تزيد من حدة التوترات». وأضاف قائلا: «ما نحتاج إليه هو تنحية الخلافات جانبا ومواجهة الإرهابيين».

ويلقي الكثيرون في العراق، فضلا عن حكومة الولايات المتحدة، باللائمة على فشل المالكي المتكرر في التواصل مع السنة حينما برز الشقاق عندما اجتاح مقاتلو الدولية الإسلامية في العراق والشام (داعش) شمال مدينة الموصل في الأسبوع الماضي، حيث أثار وصولهم وجود انشقاقات واسعة في صفوف قوات الأمن المدربة على أيدي الولايات المتحدة وسط احتفالات بين السكان السنة عند رحيل القوات الحكومية المكروهة.

وقد قاوم المالكي باستمرار، خلال السنوات الثماني منذ توليه السلطة، مطالب السنة في الحصول على دور أكبر في إدارة البلاد، وقد استغل على الدوام قيادته للقوات المسلحة في إسكات معارضيه. ومحاولته إلقاء القبض على نائبه السني مع رحيل آخر جندي أميركي عن العراق في عام 2011 والقمع ضد الاحتجاجات السنية التي وقعت في الرمادي في شهر ديسمبر (كانون الأول) ليسا إلا مثالين على جهود المالكي في إسكات المعارضة.

ويقول توبي دودج من كلية لندن للاقتصاد، الذي ألف كتابا عن الحكم الديكتاتوري لنوري المالكي، إنه يرى مفارقات متزايدة في الطريقة التي يحول بها المالكي الأزمة الحالية إلى صالحه. ويضيف أن المالكي «بسلوكياته الطائفية كان مسؤولا بصورة مباشرة عن التهميش الذي عاناه السكان السنة». وأضاف: «والآن يخطو المالكي نحو الأمام ويقول للسكان الشيعة المتصلبين إنه الشخص الوحيد القادر على حل تلك المعضلة».

وفي واقع الأمر، فإن سمعة المالكي السياسية الاستغلالية تجعل الكثير من السكان الشيعة في شوارع بغداد تعتقد أنه خطط للاستيلاء على الموصل حتى يشتت جهود خصومه السياسيين الذين يحاولون استبداله. ويقول أبو زيد (51 سنة)، وهو ميكانيكي سيارات في وسط بغداد: «ما عليك إلا مشاهدة التلفزيون. لا يوجد الكثير من الكلام عن الانتخابات، لقد كانت خدعة منه للبقاء في السلطة».

وتعد تلك هي الرؤية الشائعة حاليا، مع الرأي القائل إن الآن ليس الوقت المناسب للمالكي كي يتنحى. وقال عقيل علي (25 سنة)، الذي يعمل في محل للعصير: «يجب على المالكي الاستقالة؛ فهو المسؤول عن كل ذلك، لكنه أمر صعب، فكيف يمكننا تغيير القادة في مثل تلك الأوقات؟».

إن طلب المالكي من الإرهابيين إحكام قبضتهم على نصف العراق من أجل تأمين قبضته الذاتية على بقية البلاد لهو أمر عصي على التصديق. ومع ذلك، فقد وضعت الأزمة الراهنة نوري المالكي البالغ من العمر 63 سنة مرة أخرى في مكانه المألوف من قيادة الشيعة في مواجهة التهديد السني.

هرب المالكي، الذي كان مدرسا في مدينة كربلاء الشيعية في الجنوب، في عام 1979 من حملة قمعية وحشية شنها نظام صدام حسين السني على حزب الدعوة الذي كان يقوده. وأمضى عقودا في المنفى، أغلبها في سوريا، قبل أن يعود بعد الغزو الأميركي. وبعد عودته إلى العراق، ترأس المالكي اللجنة البرلمانية المكلفة بتعقب الأعضاء السابقين في حزب البعث تحت قيادة صدام، وذلك قبل اختياره رئيسا للوزراء بعد انتخابات مثيرة للشقاق في عام 2005، في الفترة ذاتها التي شهدت ذروة التمرد السني ضد الاحتلال الأميركي في العراق.

وعلى مدار الأعوام الستة التالية، انسحبت القوات الأميركية في عام 2011، وضغط دبلوماسيون أميركيون مرارا على المالكي لتكوين حكومة أكثر شمولا، لكنهم لم يصمموا على الأمر، على حد قول دودج. وعندما فاز حزب إياد علاوي، المنافس للمالكي، بعدد مقاعد أكبر قليلا من تلك التي فاز بها المالكي في انتخابات عام 2010، دعمت السفارة الأميركية سعي المالكي إلى رئاسة الوزراء على حساب علاوي، لأنهم كانوا يخشون من أن انتقال السلطة قد يزعزع استقرار البلاد، لكن الآليات التي تصورتها إدارة أوباما للحد من السلطات الواسعة التي يملكها المالكي لم تطبق مطلقا، وبعد أن غادرت القوات خفت الضغوط التي تمارس عليه.

ولا ترجع جميع أطراف المعارضة التي يواجهها المالكي إلى أصول طائفية؛ فقبل الاضطرابات التي وقعت الأسبوع الماضي كان أحد الفصائل الموالية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وآخر متحالف مع السياسي الشيعي عمار الحكيم، يجريان مباحثات مع زعماء سنة وأكراد بشأن تشكيل تحالف من شأنه أن يحرم المالكي من الاستمرار لفترة ثالثة في السلطة. أشار الصدر كثيرا إلى المالكي بصفته «ديكتاتورا» و«طاغية»، وهي الصفات التي تعكس استياء واسعا من أسلوبه في الحكم الذي اشتهر بالقمع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.