بعد 6 أشهر من ميزانية خريفية «كئيبة»، اتسمت حينها بظلال مفاوضات «بريكست» الغامضة، حان الربيع اقتصادياً في بريطانيا... وفي بيان استغرق 26 دقيقة أمام البرلمان، كشف وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند عن توقعات متفائلة لنمو وانخفاض التضخم والاقتراض في «بيان الربيع»، واستبعد انتهاء فوري للتقشف؛ لكنه لمح إلى احتمال زيادة الإنفاق في المستقبل.
ومع حرص وزير الخزانة منذ فترة على أن يكون هناك حدث مالي رئيسي واحد فقط في السنة، كان بيان الربيع يحمل الاتجاهات الاقتصادية للمملكة المتحدة خلال السنوات القليلة المقبلة.
وحرص الوزير على بث التفاؤل لمواجهة «لحظة الحقيقة» في الخروج النهائي في مارس (آذار) المقبل، بقوله إن التمويل العام قوي لمنح الدعم الكافي للاقتصاد البريطاني؛ حتى إذا لم تسر مفاوضات «بريكست» وفقاً للخطة... إلا أن حزب العمال، بقيادة مستشار الظل (الممثل لمنصب وزير الخزانة في الحزب المنافس) جون ماكدونيل، اتهم هاموند بأنه «شديد الرضا في مواجهة أسوأ أزمة تمويل في القطاع العام».
وقال مستشار الظل: «نحن نواجه في كل خدمة عامة أزمة على نطاق لم نشهده من قبل، فعلى مدار 8 سنوات تم تجاهل موظفي الخدمة العامة (الأطباء والممرضين والمعلمين وضباط الشرطة وغيرهم)، واليوم تم تجاهلهم مرة أخرى».
مشيراً إلى أن تعبير «ضوء في نهاية النفق» الذي استخدمه هاموند «أظهر بُعده عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه هؤلاء»، موضحاً أن النمو في اقتصاد البلاد العام الماضي جاء بين أقل المعدلات في مجموعة السبع الكبار، وأبطأ معدل بريطاني منذ 2012، مشدداً على أن القيم الحقيقية للأجور انخفضت عما كانت عليه في عام 2010 وما زالت تتراجع.
وذكر ماكدونيل أن اسكتلندا ستعاني من خسارة أكبر نسبياً في الناتج الاقتصادي مقارنةً بالمملكة المتحدة ككل. وعن صفقة الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، قال ماكدونيل إن عدم التوصل إلى صفقة سيكون مدمراً بشكل كبير، مما يهدد بخفض النمو بنسبة هائلة تبلغ 9% على مدى الـ15 عاماً المقبلة. كما أوضح أن «بريكست» سيضرب «جيوب العائلات»، ما سينعكس بدوره على خسارة في توقعات الإيرادات الضريبية وبالتالي سيؤثر على الإنفاق على الخدمات العامة، «ومع ذلك وزير الخزانة صامت بشأن المخاطر التي تهدد اقتصادنا»، حسب ماكدونيل.
ورد هاموند على دعوات حزب العمال وبعض المحافظين بأن هناك تدفقاً نقدياً إضافياً من زيادات غير متوقعة في الإيرادات الضريبية لتخفيف ضغط الإنفاق، وأكد أنه سيحدد مساراً عاماً للإنفاق لعام 2020 وما بعده في أعقاب الانفصال في ميزانية الخريف المقبلة، مع مراجعة تفصيلية للإنفاق في عام 2019.
وتوقع هاموند أن يصل معدل النمو إلى 1.5% هذا العام، مع توقعات بانخفاض النمو في 2019 و2020 إلى 1.3%، وانخفاض نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي بداية من العام المالي المقبل كبداية لانخفاض مستمر في الديون خلال الـ17 عاماً المقبلة، وهو ما وصفه هاموند بأنه «نقطة تحول» في تعافي البلاد من الأزمة المالية العالمية منذ عقد من الزمن.
وعلق مكتب «مسؤولية الميزانية» في المملكة المتحدة على تقرير الربيع للخزانة البريطانية بأن بريطانيا لن توفر أموالاً عقب مغادرة الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الخمس المقبلة، حيث يرى أن الأموال التي كان من الممكن أن يجري توفيرها من الميزانية المدفوعة للاتحاد سيجري استخدام مقابل لها في الإنفاق إلى جانب التسوية المطلوبة لمغادرة الاتحاد. مشيراً إلى أن تراكمات «فاتورة الانفصال» ستستمر على الموازنة حتى عام 2064 على الأقل.
وأكد المكتب أن الإنفاق الحكومي حتى عام 2023 كان سيبقى على حاله إذا صوتت المملكة المتحدة للبقاء في استفتاء 2016. كما توقع أن يبلغ إجمالي «التسوية الأوروبية» نحو 37.1 مليار إسترليني، وهو ما يتماشى مع المبلغ الذي ذكره رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، حين أشار إلى مبلغ يتراوح بين 35 و39 مليار إسترليني.
ومن المتوقع أن تبلغ المدفوعات ذروتها عند نحو 10 مليارات إسترليني في عام 2020 بعد الانفصال مباشرة، قبل أن تنخفض بحدة لاحقاً وتصل إلى أقل من 300 مليون إسترليني بعد عام 2027.
وقالت هيئة الرقابة على الميزانية إنه من المهم عدم النظر إلى هذه التكاليف بمعزل بعضها عن بعض، حيث من المرجح أن تكون هناك عواقب «أكثر بكثير» من مغادرة الاتحاد الأوروبي. وأشارت الهيئة إلى أن انخفاض الهجرة ونمو الإنتاجية المتباطئ والتباطؤ الاقتصادي، فضلاً عن ارتفاع التضخم بسبب انخفاض الإسترليني، ستؤدي جميعها في النهاية إلى زيادة الاقتراض الحكومي بنحو 15 مليار إسترليني سنوياً بحلول 2023.
وقال أندرو سينتانس، كبير المحللين الاقتصاديين في «بي دبليو سي»، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «منذ تولي هاموند الخزانة في 2016، سعى إلى تحسين سجل إنتاج المملكة المتحدة من خلال مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك الإنفاق الغزير على البنية التحتية والاستثمار الإضافي في البحث والتطوير وزيادة التركيز على التدريب المهني... لكن إذا حكمنا من خلال التوقعات الأخيرة لتقرير الربيع، نتوقع أن يستغرق الأمر عدة سنوات حتى تتحسن الأمور، حيث وجه الركود الذي أعقب الأزمة العالمية ضربة قاسية إلى معدل النمو طويل الأجل في بريطانيا، مما قلل من نسبته إلى 1.5% سنوياً من 2.25%».
وتوقع سينتانس أن يبلغ متوسط الدخل الحقيقي القابل للتصرف لكل فرد 0.4% فقط، وهذا يعني أن الأسر لن تشعر بتحسن كبير لفترة طويلة. وبسؤاله عن التصويت البريطاني، قال ضاحكاً: «ما زلنا نتعامل مع المسودات المبكرة، لكن بشكل عام يبدو أن التصويت أضعف الاقتصاد كما توقعنا، لكن ليس بنفس القدر الذي كنا نراه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016».
وقال إن بريطانيا تقترض أقل من المتوقع هذا العام بفضل زيادة الضرائب القادمة من العاملين لحسابهم الشخصي، لتبلغ الإيرادات رقماً أعلى من المتوقع بنحو 2.9 مليار جنيه إسترليني.
وأفادت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بأن الاقتصاد البريطاني سينمو بوتيرة أبطأ من أي دولة أخرى أو ناشئة هذا العام، ورفعت توقعاتها للنمو إلى 1.3% في 2018.
وقالت ستيلا أميس، المحللة الاقتصادية في «أبردين ستاندرد للاستثمارات وإدارة الأصول»، إن هاموند كان حريصاً على توصيل رسالة حول وجود ضوء في نهاية النفق، «صحيح أن عبء الديون في مرحلة خطرة، لكن على الجانب الآخر فإنها المرة الأولى منذ الأزمة المالية التي تقترض خلالها بريطانيا للاستثمار فقط بدلاً من تمويل الإنفاق اليومي».
وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن هاموند كان واضحاً حين قال: «إننا سنبقى في النفق لفترة من الوقت، ولن تكون هناك إعادة تقييم أساسية لاحتياجات الإنفاق في المملكة المتحدة حتى عام 2020»... وهذا يعني عقداً من التقشف لم يسبق له مثيل في فترة ما بعد الحرب.
ورحب 64% من عينة استطلاع قوامها 195 من خبراء ومحللين اقتصاديين، أجرته «الشرق الأوسط»، بالمبادرات المتعلقة بالإسكان والتدريب والمجالات الرئيسية لإعادة الإنتاجية إلى مسارها وتعزيز النمو على المدى الطويل، وأبدى 27% تخوفهم من بلوغ الديون ذروتها في ظل نمو غير مستدام.
الاقتصاد البريطاني على عتبة تخطي «خريف بريكست الكئيب»
محللون: رؤية هاموند طموحة وواضحة... لكن الضغوط قد تستمر طويلاً
الاقتصاد البريطاني على عتبة تخطي «خريف بريكست الكئيب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة