التوازن ما بين الدبلوماسية وحفظ ماء الوجه في مجلس الأمن

سفير هولندا ورئيس مجلس الأمن الحالي كارل فان أوستيروم يلتقط الصور الشخصية للصحافيين (إ.ب.أ)
سفير هولندا ورئيس مجلس الأمن الحالي كارل فان أوستيروم يلتقط الصور الشخصية للصحافيين (إ.ب.أ)
TT

التوازن ما بين الدبلوماسية وحفظ ماء الوجه في مجلس الأمن

سفير هولندا ورئيس مجلس الأمن الحالي كارل فان أوستيروم يلتقط الصور الشخصية للصحافيين (إ.ب.أ)
سفير هولندا ورئيس مجلس الأمن الحالي كارل فان أوستيروم يلتقط الصور الشخصية للصحافيين (إ.ب.أ)

مهما كانت الاختلافات بين المواقف المعلنة للدول المتخاصمة، فإن الدبلوماسيين في مبنى الأمم المتحدة يعملون معا كل يوم. فتتطور صداقات حذرة وخصومات ودودة، كما تتشكل عداوات أحيانا، وتلعب العلاقات الشخصية أحيانا دورا في تقرير الشؤون الرسمية، في مجلس الأمن الدولي. يقول دبلوماسي - طلب عدم الكشف عن هويته -لوكالة الصحافة الفرنسية: «تتم الأمور على المستوى الشخصي. فمن دون الثقة لن نصل إلى أي شيء... على المستوى الخاص فإن العلاقات أقل مأساوية مما تظهر عليه في العلن». يوضح الدبلوماسي أنه «في أي مفاوضات، المفتاح يكمن في العلاقات الشخصية».
تعتبر نيكي هايلي، سفيرة واشنطن في مجلس الأمن والحاكمة السابقة لولاية ساوث كارولاينا، السياسية الوحيدة في المجلس الذي يعج بالدبلوماسيين المخضرمين. والعام الماضي حققت انقلابا دبلوماسيا مثيرا للإعجاب عندما استطاعت الحصول على موافقة الصين وروسيا على قرار بالإجماع لفرض عقوبات على كوريا الشمالية. وتعتبر القضايا التي تطرح أمام مجلس الأمن الدولي من بين الأخطر التي يمكن أن يواجهها أي جهاز لصنع القرار يتعامل مع مسائل تمت إلى الحرب والسلم والحياة والموت، ما يدفع مختلف الأطراف داخل هذه الهيئة إلى استخدام أي تكتيك يعتبرون أنه يدعم موقفهم.
وخلال الأسبوع الماضي على سبيل المثال، اتحد مجلس الأمن الدولي لتأييد وقف إطلاق النار في الحرب السورية التي لا تنتهي، إلا أنه أخفق في الاتفاق على توجيه توبيخ لإيران. فقد أرادت الولايات المتحدة استهداف إيران بسبب تدخلها المفترض في النزاع في اليمن، ولكن روسيا تدخلت ومنعت ذلك. وفي كل حالة كانت أبعاد المعركة معروفة، فالولايات المتحدة وحلفاؤها يعارضون التدخلات الروسية والإيرانية في الحربين الإقليميتين.
إذن لماذا كانت النتائج الدبلوماسية مختلفة؟
هايلي كانت الاثنين في هندوراس وتسلم زميل لها مقعد بلادها، عندما تحركت روسيا لوقف جهود إدانة إيران. وأحيانا يتم التوصل إلى توافق من خلال التلاعب بالإجراءات.
فالعام الماضي امتنعت الصين عن إدانة جارتها ميانمار، ولكنها سمحت لرئيس مجلس الأمن بإصدار بيان رئاسي. ولكن دبلوماسيين كانوا قد اقترحوا في البداية إصدار القرار قبل أن يعودوا إلى اقتراح إصدار البيان، بشكل يجعل الصين تبدو وكأنها حصلت على تنازل.
ونظريا فإن الحصول على بيان سياسي ليس أسهل من الاتفاق على إصدار قرار، لأن أي عضو من أعضاء المجلس الـ15 يستطيع الاعتراض على النص.
ويقول جميع الدبلوماسيين الذين يعقدون اجتماعات يومية لا تنتهي في البرج الزجاجي العملاق على خليج «تيرتل باي» في نيويورك، إنهم يسعون للتوصل إلى توافق. لكنهم في الحقيقة إنما يعملون على ضمان أن يعكس قرار المجلس مصلحة بلادهم القومية.
وكما قال أحد الدبلوماسيين، من المهم السماح للخصم بـ«حفظ ماء الوجه». وفي المفاوضات الطويلة حول القضايا المعقدة مثل العنف في سوريا، فإن الجانب الرابح هو في الغالب الجانب الذي يحتفظ بهدوئه لأطول فترة. وقال أحد المفاوضين لوكالة الصحافة الفرنسية: «عليك احترام الجانب الآخر عندما يكشف الخطوط الحمراء التي لن يتخطاها»، فيما قال آخر «ذلك أمر صعب على الأعصاب». ولكن المحادثات تبدأ قبل التصويت، ويتصل معظم السفراء مع عواصمهم للمشورة قبل أن يصوتوا بالموافقة أو الاعتراض أو يمتنعوا عن التصويت. وتتمتع هايلي بأكثر حرية شخصية للمناورة، نظرا لأنها عضو في إدارة الرئيس دونالد ترمب بمنصب حكومي. ولكنها في الوقت ذاته من أقل دبلوماسيين خبرة في هذا المبنى الذي يشهد حوارات مستمرة في الممرات وغرف المؤتمر والرسائل النصية.
وتوجد غرفة مؤتمرات مخصصة للدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة وهي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بينما خصصت غرفة أخرى للدول العشر التي لا تملك عضوية دائمة في المجلس. وعندما تطرح أي قضية للنقاش، يلتقي الخبراء من مختلف الدول لتحديد النطاق الدبلوماسي. وبعد ذلك يتولى «منسقون» من كل بعثة دولية رسم حدود النقاش، وإلا فإن السفراء أو نوابهم هم من يمسكون بالزمام.
ويتم توزيع الأدوار. فتتولى الدول رئاسة المجلس دورياً، ويتولى طرف متنفذ صياغة مسودات القرارات، رغم أن جميع الأعضاء يصوتون على القرار في النهاية. فبالنسبة للحرب في سوريا، تولت الكويت والسويد القيادة. أما بالنسبة للنصوص الخاصة باليمن أو ميانمار، تلعب بريطانيا الدور الأكبر. وفي بعض الأحيان عندما لا يكون من الممكن التوصل إلى توافق، يمكن للدولة أن تغير دورها أو تعززه. فعلى سبيل المثال، في المناقشات الأخيرة حول سوريا، أصبحت فرنسا «ميسرا»، ودعيت الصين إلى اجتماعات مجموعات صغيرة. ولم تشارك هايلي في المناقشات حتى اللحظات الأخيرة، لأنها كانت في رحلة إلى شيكاغو، حسب دبلوماسيين. بدوره صرح سفير روسيا فاسيلي نيبيزيا لوكالة الصحافة الفرنسية، بأنه شكر سفير فرنسا فرنسوا ديلاتري برسالة نصية للعبه دورا محوريا في وقف إطلاق النار. وكذلك فإن الحركات المسرحية تؤتي ثمارها.
في 22 فبراير (شباط) ظهر السفراء العشرة للدول غير دائمة العضوية في المجلس جنبا إلى جنب أمام عدسات الصحافيين، للإعراب عن قلقهم المشترك من مماطلة روسيا. وبعد يومين كان العالم يتساءل ما إذا كانت روسيا ستوافق على الهدنة في سوريا. وانتقلت كاميرات تلفزيون الأمم المتحدة فجأة إلى هايلي وديلاتري وهما يصلان بهدوء إلى قاعة مجلس الأمن. وقال دبلوماسي: «لقد كنا على وشك الإخفاق»، مضيفا أن تحدي القدر والضغط على روسيا للتصويت كان «حركة نادرة». ولكن هذه الحركة نجحت. فقد اجتمع الأعضاء الآخرون وصوتوا.


مقالات ذات صلة

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

المشرق العربي توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

أفادت الأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، نزحوا في الآونة الأخيرة في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل المسلحة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السفير عبد العزيز الواصل يلقي بياناً أمام الجمعية العامة (وفد السعودية لدى الأمم المتحدة بنيويورك)

السعودية تطالب بوقف النار في غزة ودعم «الأونروا»

طالَبت السعودية، الخميس، بإنهاء إطلاق النار في قطاع غزة، والترحيب بوقفه في لبنان، معبرةً عن إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (أ.ب)

غوتيريش قلق بشأن الضربات الإسرائيلية على سوريا ويدعو للتهدئة

أبدى الأمين العام للأمم المتحدة قلقه البالغ إزاء «الانتهاكات الواسعة النطاق مؤخراً لأراضي سوريا وسيادتها»، وأكد الحاجة الملحة إلى تهدئة العنف على كل الجبهات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي تظهر الصورة زنزانة في سجن صيدنايا الذي عُرف بأنه «مسلخ بشري» في عهد نظام الأسد بينما يبحث رجال الإنقاذ السوريون عن أقبية مخفية محتملة في المنشأة في دمشق في 9 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

محققو الأمم المتحدة أعدوا قوائم بآلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا

وضع محققون تابعون للأمم المتحدة قوائم سرية بأربعة آلاف من مرتكبي جرائم خطيرة في سوريا، آملين مع سقوط الرئيس بشار الأسد بضمان المحاسبة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال التصويت على مشاريع قرارات بشأن القضية الفلسطينية (إ.ب.أ)

غالبية أممية ساحقة تطالب بوقف فوري للنار في غزة

أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية ساحقة الوقف الفوري للنار في غزة مؤكدة على دعم وكالة «الأونروا» وسط اعتراضات أميركية وإسرائيلية.

علي بردى (واشنطن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».