الأمازيغية... محور صراع «التعريب» و«التغريب»

بعد قرار تدريس الأمازيغية... وبسببه

الأمازيغية... محور صراع «التعريب» و«التغريب»
TT

الأمازيغية... محور صراع «التعريب» و«التغريب»

الأمازيغية... محور صراع «التعريب» و«التغريب»

فجَر قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إطلاق ترتيبات لإنشاء «أكاديمية لتدريس اللغة الأمازيغية»، من جديد، الصراع بين أنصار الاستعاضة عن العربية بالأمازيغية لغةَ تداول رسمية وهم في غالبيتهم مُفرنَسون، و«العروبيين» المتحمّسين لـ«العنصر العربي الإسلامي في الهوية الجزائرية». كانت الأمازيغية قد أصبحت لغة رسمية في الجزائر بجنب العربية، بموجب مراجعة للدستور تمت في 7 فبراير (شباط) 2016. ومن ثم، احتدم خلاف كبير، أخذ في أحيان كثيرة طابعاً آيديولوجياً، بين فريقين: الفريق الأول في هذا الخلاف هو مَن يسميهم الإعلام المحلي «بربريست» (نسبة إلى البربر، السكان الأصليين لشمال أفريقيا) يناضلون من أجل تدريس الأمازيغية في كل الأطوار التعليمية، وقطاع من هؤلاء انخرط في تنظيم انفصالي يطالب باستقلال منطقة القبائل (شرق العاصمة الجزائر) التي يتكلم سكانها – البالغ تعدادهم نحو 3 ملايين – اللغة الأمازيغية. أما الفريق الآخر، فيشكّله «العروبيون» الذين يعتبرونها أهم رافد للهوية ولا يرضون بديلاً عن العربية، التي حلّت محل الفرنسية لغةَ تداول في الإدارات والمؤسسات الحكومية، وهذا خلال سنوات قليلة بعد الاستقلال عن المستعمر الفرنسي عام 1962.
في أعقاب الضجة التي أثارها قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إطلاق ترتيبات لإنشاء «أكاديمية لتدريس اللغة الأمازيغية»، التقت «الشرق الأوسط» نخبة من أهم الباحثين الذين يتصدّرون واجهة الإعلام الجزائري لمناقشة موضوع الأمازيغية، وقراءة تفاعلات الموضوع، وما إذا كانت «لهجة» أم «لغة» وعلاقتها بالدين.
امحند أرزقي فرَاد، المؤرخ والباحث الآنثروبولوجي، قال شارحاً: «عادت المسألة الأمازيغية في السنوات الأخيرة إلى مسرح الأحداث ببلدان شمال أفريقية بقوة، وهذا لسببين اثنين على الأقل: أولهما يتمثل في تراكم نضالات أجيال كثيرة من أجل إعادة الاعتبار للمكوّن الأمازيغي في الهويّة المغاربية. والسبب الآخر هو «الربيع العربيّ» الذي رفع الحيف والضيم عن الأمازيغ في ليبيا وتونس».
وبحسب فرَاد، الذي يتحدَر من منطقة القبائل: «لا يختلف اثنان عاقلان حول أمازيغية شمال أفريقية، ومن ثم فإن المتحدّثين بها ليسوا أقلية، وهذا رغم انكماش اللسان الأمازيغي وانحساره في المناطق المعزولة كالجبال والواحات وجزيرة جربة بتونس. وعليه – كما يضيف فرّاد – فإن الجدال حول اللغة الأمازيغية هو في الحقيقة جدال بين إخوة في الجنس والعرق، احتفظ بعضهم بلغة الأجداد، وتعرّب بعضهم الآخر بفعل انتشار اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن. وعليه، من الخطأ اعتبار انتشار اللسانين حالياً معياراً للتمييز بين الجنسين الأمازيغي والعربي».
- تحدّي كتابة اللغة
وحول الحرف الذي ينبغي أن تكتب به الأمازيغية، يقول فرَاد «التحدي الصعب الذي يواجه الأمازيغية بعد تجاوز العقبة السياسية، هو اختيار طريقة كتابتها. فهي الآن تكتب بالأبجديات الثلاث: (التيفيناغ) في الجنوب، والأبجدية العربية في جبال الأوراس وغرداية، والأبجدية اللاتينية في منطقة القبائل. وسبب ذلك التهميش والإقصاء اللذين عانت منهما اللغة لعقود طويلة؛ لذا سعى أبناؤها إلى الحفاظ عليها بكل الطرق كلّ حسب إمكاناته في الجزائر الواسعة». ويضيف فرّاد: «في الحقيقة، تعايشت الأمازيغية مع العربية لقرون طويلة فاقترضت منها الكثير من الكلمات والمصطلحات، وتأثرت بالثقافة الإسلامية إلى درجة يصعب الآن تصوّر كتابتها بغير الأبجدية العربية. لكن، من جهة أخرى، فإن النخبة المُفرنَسة المهيمنة على (المحافظة السامية للأمازيغية) هي التي تكفلت بالنضال من أجل إحيائها وترقيتها بالأبجدية اللاتينية، وهناك ألوف الكتب منشورة بها. أمّا في الجنوب فمن الصعب إقناع إخواننا الطوارق بالتنازل عن الكتابة التيفيناغية الأصيلة ذات الحمولة الرمزية».
- «الهويّة» ومسؤولية فرنسا
من جهة ثانية، أفاد الدكتور أحمد شنَة، أحد أبرز الباحثين بالمجتمع المدني – وهو مسؤول حكومي سابق – بأن اعتماد اللغة الأمازيغية لغةً رسميةً في البلاد «لا يعني أنه سيتم تلقائياً إبعاد اللغة العربية أو التقليل من شأنها أو إنزالها إلى المرتبة الثانية. ذلك ما لن نقبله مهما كانت الظروف والمسوّغات... كما أننا لن نقبل أيضاً تهميش باقي اللهجات الأمازيغية، كالشاويّة التي تشكل النسبة الأكبر في المشهد الديموغرافي، إلى جانب المزابية (الميزابية) والتارقية والشلحية والشنوية وغيرها من اللهجات المنتشرة في طول البلاد وعرضها». وأردف شنّة: «إن كانت الإرادة صادقة (من جانب السلطات) لإعادة الاعتبار للبعد الأمازيغي في هويتنا وشخصيتنا الوطنية، إلى جانب البعدين الإسلامي والعربي، مثلما هو منصوص عليه في الدستور، يتوجب على الجميع العمل على إشراك كل المكوّنات والعناصر على قدم المساواة، وإتاحة الفرص لجميع اللهجات المحلية في مسار التأسيس العلمي الجاد لهذه اللغة الأمازيغية المنشودة. وهي اللغة التي نرجو، في نهاية المطاف، أن تكون معبّرة عن فكر ووجدان كل الجزائريين والجزائريات، في إطار احترام الخصوصيات ومراعاة الاختلاف الثقافي والاجتماعي بين منطقة وأخرى؛ ما يحقق الثراء الوطني المرتقب من دون إقصاء أو احتكار أو تطرّف في الرأي».
ويتابع شنّة: «في ظل ما يدور في الساحة الوطنية من جدل وتجاذب حول المسألة الأمازيغي، وبخاصة ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من نقاشات حادة حول هذا الموضوع، وتطور التجاذبات في القضية إلى حد التجريم والتخوين والتراشق بالتهم بين بعض الفعاليات في المؤسسات البرلمانية والحزبية والإعلامية، فإنه بات من الضروري أن نؤكد مرة أخرى، بأن (مسألة الهوية) لم تكن في أي يوم من الأيام مشكلاً في الجزائر، إلا مع دخول المستعمر الفرنسي إلى بلادنا... المستعمر الذي أقدم على تمزيق اللحمة الوطنية وتطبيق سياسة (فرّق تَسُد) انطلاقاً من كراهية فرنسا الاستعمارية للإسلام والعربية باعتبارهما الإسمنت المسلح الذي يوحّد الجزائريين والجزائريات باختلاف أعراقهم وثقافاتهم المحلية، ويدفعهم بقوة وثبات إلى التطلع نحو المستقبل، وإعادة بناء الدولة الجزائرية التي دمّرها الفرنسيون على امتداد قرن و32 سنة، بأبشع ما في التدمير من وسائل وأساليب».
ويضيف شنّة، المتحدر من منطقة الأوراس التي يتكلّم سكانها الشاويّة، إحدى لهجات الأمازيغية: «لم نسمع في تاريخ الأولين من الآباء والأجداد، منذ الفتح الإسلامي لشمال أفريقيا، عن أي خروج للسكان المحليين عن سلطة الإسلام أو رفضهم اللسان العربي... بل على العكس تماماً من كل تلك المزاعم والأباطيل التي روّجها المؤرخون الاستعماريون، ويردّدها اليوم ببلاهة كثرة من أشباه المثقفين من أبناء هذه المدرسة الاستعمارية المغشوشة. الأمازيغ، الذين استقبلوا الإسلام والعربية في الجزائر وفي كل بلدان الشمال الأفريقي، استقبالاً كريماً مباركاً، عملوا كل ما في وسعهم خلال قرون من الإشعاع الحضاري والعلمي والثقافي، على بناء دول ومجتمعات قوية متقدمة وصل صداها إلى كل أوروبا، واستفاد من خيراتها جياع فرنسا ومشرّدو إسبانيا والبرتغال».
- مؤامرة للتمكين للفرنسية
ويذهب عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، في الاتجاه نفسه تقريباً؛ إذ يقول: «أنا أتعجب من الحرب التي يريد بعض المغفلين والمتعصّبين والسذَّج أن يشعلوها بين العربية والأمازيغية، وهم لا يدرون أنهم وقود فتنة كان ولا يزال الاستعمار القديم والجديد يشعلها بيننا ضمن قاعدة (فرّق تَسُد). الأمازيغية والعربية كلاهما مهمشتان في هذا البلد لصالح الفرنسية. المؤامرة القائمة في الجزائر هي للتمكين للغة الفرنسية والثقافة الغربية الفرنسية، وليس للعربية أو الأمازيغية. العربية والأمازيغية شقيقتان... شقيقتان شقيقتان. كما هي الفارسية والعربية، والتركية والعربية والأردية وغير ذلك من اللغات التي انصهرت معاً ضمن الأخوة الإسلامية التي لا تفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. لقد كان صهيب الرومي وسلمان الفارسي أقرب لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، من عمّه أبي لهب. إن المطلوب هو أن تتحالف العربية والأمازيغية ضد الاستعمار والثقافة الاستعمارية، كما كانتا إبان الاحتلال الفرنسي».
وبرأي مقري «ما شهدناه في المدة الأخيرة، من سبّ وشتم متبادل بين الجزائريين على أساس الهويّة اللغوية أمر خطير. فلو وجد الجزائريون راحتهم وأنسهم وكرامتهم ورخاءهم، تحت العلم الوطني لما تعالى بعضهم على بعض بانتمائهم اللغوي، ولما تدخل الأجنبي في شأن خصوصياتهم يعبث باستقرارهم ووحدتهم، كما هو ديدنه دائماً، لتحقيق مصالحه وفرض حضارته الاستعمارية الظالمة».
وبخصوص الحرف الذي تكتب به الأمازيغية، يوضح مقري أن الأمازيغية «لغة موجودة من خلال لهجات متعدّدة منها الشاويّة والقبائلية والمزابية والترقية والشلحية... ولا يمكن تعليمها بفاعلية إلا ببناء هذه اللغة بناءً أكاديمياً يجعل لها (فصحى) تتيح للأمازيغ، بمختلف لهجاتهم، أن يفهموا بعضهم بعضاً. ومن ثم، مَن يرد أن يتعلم هذه اللغة من غير المتحدثين يسهل عليهم ذلك... تماماً مثل أي لغة أخرى. فلولا وجود العربية الفصحى مثلاً، لما استطاع العرب أن يفهموا بعضهم بعضاً... سواءً بخصوص تنوع لهجات الجزائر في مختلف جهات الوطن، وبشكل أوضح على مستوى العالم العربي، لولا الفصحى لما استطاع المغاربة أن يتواصلوا مع المصريين والخليجيين والعراقيين والسوريين، والعكس صحيح».
ويتابع مقري: «حينما نصل إلى المرحلة الأكاديمية، يتدخل الجانب الثقافي والحضاري في اختيار الحرف الذي تبنى به اللغة الأمازيغية الفصحى. وإذا اعتبرنا أن القضية الأمازيغية هي قضية كل الجزائريين، فمن حقنا في (حركة مجتمع السلم) كجزائريين أن نناصر رأي الأكاديميين، الذين يعتبرون أن اختيار الحرف العربي هو الاختيار الطبيعي؛ لأن البعد الحضاري للأمازيغ ارتبط بالبعد الحضاري العربي الإسلامي. إن الجامع بين اللغتين تاريخي وجغرافي وثقافي وسياسي واجتماعي، مثل البعد الحضاري للفرس الذي ارتبط بالإسلام بعد الفتح... واليوم تُكتب الفارسية بالحرف العربي. الشيء نفسه بالنسبة للأتراك، فاللغة التركية كانت تكتب بالعربية أيام مجد الأتراك (العثمانيين)، ثم غيّرها كمال أتاتورك للاتينية فمزّق الشعب التركي وأدخله في الصراع والتخلف».
- أخطاء الفاتحين مع الأمازيغ
أما محمد صالحي، الباحث في علوم اللسان (الألسنية)، فيقول: إن كل اللغات المستخدمة في العالم الإسلامي «تأثرت باللغة العربية معجماً ونحواً وصرفاً وصوتاً وكتابة، ولا يمكن إنكار هذا الأمر الواضح والراسخ. لقد وجد من مائة لغة تكتب بالحرف العربي، إلا أن الاستعمارين الغربي والسوفياتي سابقاً، غيَرا حروف لغات القوقاز والقرم وآسيا الوسطى. ولم تسلم الأمازيغية من هذه المحاولة؛ إذ سعى الفرنسيون بطرق عدة لتغيير حرفها العربي الذي كتبت به منذ بداية التدوين بها لفائدة كتب التفسير والفقه وخطب الجمعة والمناسبات. ولقد أوعز لأتباعه من الجزائريين أنه من مصلحة الأمازيغية كتابتها بالحرف الفرنسي (اللاتيني)، لكن في حقيقة الأمر الهدف هو إحداث شرخ بين العربية والأمازيغية، وتفريق الشعب الجزائري وتعميق صراع الهوية».
أما عدَة فلاحي، مستشار وزير الشؤون الدينية وعضو البرلمان سابقاً، فيقول: إن الأمازيغ اعتنقوا أغلب الديانات والملل والنحل التي وفدت إليهم، من مجوسية إلى وثنية إلى يهودية إلى مسيحية... وأخيراً الإسلام الذي قبلوه وارتضوه واعتنقوه طواعية بعد مقاومته في البداية. استمرت هذه المقاومة لعشرات السنين بسبب طبيعة الأمازيغي المتمرد الرافض لكل من يريد أن يهيمن عليه، إلا أن المسلمين الفاتحين حينها فقدوا الكثير من خصائصهم الروحانية الأولى التي تربى عليه الجيل الأول من الصحابة، وتصرفوا مع الأمازيغ في البداية بصفتهم عرباً، وهذا ما جعل الفتح الإسلامي عصيّاً وصعباً ومُكلفاً في البداية. ولكن يبدو أن هذه العقيدة العسكرية القديمة للمسلمين القادمين من المشرق، باستعلاء، والتي استبعدت القاعدة القرآنية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) والقاعدة السنية المحمدية «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى»، خلّفت عقدة ما زالت تتحكم في أمزجتنا إلى اليوم، حتى على مستوى النخبة، سواءً المعرّبة أو الأمازيغية».
ويتابع فلاحي «بعض المعرّبين البعثيين في بلادنا، أساؤوا التعامل مع المطالبين بإحياء الأمازيغية، ولذا شاهدنا ردات فعل متطرفة طالب أصحابها بكتابة الأمازيغية بـ«التيفيناغ» أو بالأحرف الفرنسية بدلاً عن العربية. وكان هناك طرف آخر كان له رد فعل عقائدي بسبب سوء تصرّف بعض المنتسبين للتيار الديني، أو ما يسمى بأصحاب الإسلام السياسي الذين قدّسوا اللغة العربية من باب تقديسهم للقران، وعلى حساب أي لهجة أو لغة أخرى، لدرجة أن بعض الأمازيغيين انقلبوا على أعقابهم وارتدوا عن الإسلام واعتنقوا المسيحية. بل، وذهب البعض منهم إلى الدعوة لانفصال منطقة القبائل عن الجزائر وتأسيس دولة مستقلة خاصة بهم تحمل هويتهم. وهذا للأسف، بمباركة وتشجيع ودعم الكولونيالية الفرنسية القديمة التي تستثمر في خلافاتنا».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».