«إنها سنوات الجنون والجمال... سنوات الانطلاق والحرية في باريس بعد الحرب العالمية الأولى» هذا ما قاله المصمم إيلي صعب عن تشكيلته الأخيرة لربيع وصيف 2018 وكأنه يُحضر ضيوفه لرحلة إلى الماضي البعيد. لكن ما إن بدأ العرض حتى تأكد أن الحكاية لا تبدأ بكان يا ما كان، كما كان متوقعا بل بما تريده المرأة الآن.
وهنا تكمن عبقريته، التي تتلخص في إدراكه أن مهمة الموضة هي التقاط نوتة خفيفة، قد تكون من حقبة معينة أو من حالة أو لون ما، ثم تأليف معزوفة كاملة منها بإعطاء كل جزء حقه بشكل معاصر يواكب تطورات العصر. فرغم أنه قال بأنه استلهم تشكيلته هاته من باريس في بداية القرن العشرين «حين خلعت عاصمة النور والأناقة سواد الحرب العالمية الأولى متمردة على الحزن تواقة لمعانقة الحياة بإيقاع سريع وسعيد في الوقت ذاته» فإنه ظل وفيا لشيء مهم هو الأناقة التي لا تعترف بزمان أو مكان. ظلت أقدامه راسخة في الحاضر وليس في «كان يا ما كان»، الأمر الذي أنقذه من الوقوع في مطب الإغراق في الحنين إلى الماضي. ما يُحسب له أنه لم يغرف منه بأسلوب حرفي، بل العكس تماما، طوعه ليناسب ابنة الجيل الجديد التي بات قطاع الـ«هوت كوتير» عموما يغازلها منذ مواسم كونها هي مستقبل هذا القطاع وأمله. زبونة تريد أن تتحرك بسهولة في تصاميم مثيرة وفريدة، بحيث تناسب حياتها ورغبتها في الاستمتاع بالحياة والتألق في مناسبات المساء والسهرة. ترجمته هنا أنه أوهمها بالعودة إلى سنوات التمرد على المألوف من دون أن يتمرد عليه بشكل بقدر ما طوعه بالألوان والتفاصيل المبتكرة والجريئة من حيث أحجامها ليمنحها ما تتوق إليه من تجدد.
في الأزياء، لعب على أقمشة منسدلة ومرنة مثل الحرير والتول والدانتيل والموسلين. ومن ناحية الألوان اختار درجات باستيلية هادئة مثل الوردي المطفي والمشمشي وغيرها، بينما خفف من التطريزات واقتصر فيها على ما قل ودل، الأمر الذي منح التشكيلة ككل توازنا يُرضي زبوناته الوفيات وبناتهن الصغيرات على حد سواء. والسبب أن التركيز فيها كان على التفاصيل أكثر منه على التصاميم، بدليل الفيونكات الضخمة التي زين بها العنق أو الأكتاف، وعصبات وقبعات الرأس والأحزمة وحقائب اليد والأحذية والعقود والأساور، بل وحتى نظارات الشمس المرصعة بالأحجار. لم يبخل على الإطلالة بشيء، كما لو أنه يريد أن يُذكرنا بأن المرأة بعد الحرب العالمية الأولى ومآسيها كانت تتوق إلى أن تتحرر من القيود وترمي بسنوات التقشف خلفها من دون رجعة لكي تغرف من جماليات الحياة دون هوادة. باقات من الريش مثلا تطايرت لتغطي بعض ما كشفته القصات من الظهر والذراعين والصدر ولتذكرنا بالراقصة السوداء جوزفين بايكر التي اشتهرت في مسارح باريس في تلك الفترة، بينما استحضرت طبعات الورود والأشكال الهندسية المرصعة بالأحجار والخرز فن الآت ديكو الذي ولد بدوره من رحم الحرب، أو بالأحرى كردة فعل عليها في بداية العشرينات ليُشكل مع الموضة حليفا فنيا مبتكرا.
النتيجة كانت عصرية ومعاصرة. ربما أرادها إيلي صعب أن تأتي بنغمة جاز باريسية، لكن بما أنه هو مؤلفها فقد اكتسبت روحا شرقية ساحرة ومثيرة.
15:2 دقيقه
من عروض الأزياء: باريس ما بعد الحرب العالمية الأولى بعيون إيلي صعب
https://aawsat.com/home/article/1175301/%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%8A%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B3-%D9%85%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%A8%D8%B9%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D8%B5%D8%B9%D8%A8
من عروض الأزياء: باريس ما بعد الحرب العالمية الأولى بعيون إيلي صعب
من عروض الأزياء: باريس ما بعد الحرب العالمية الأولى بعيون إيلي صعب
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة