شعبية العبادي على صفيح التوازنات الساخن في العراق

TT

شعبية العبادي على صفيح التوازنات الساخن في العراق

بعد الشعبية الكبيرة التي اكتسبها إثر طرد تنظيم داعش من كل الأراضي العراقية في معارك شرسة قدمت فيها المؤسسة العسكرية تضحيات هائلة، وجد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نفسه حيال مشكلة تتعلق بكيفية إدارته حرب التوازنات والتحالفات الانتخابية. ويرى الكثير من السياسيين المطلعين والخبراء والأكاديميين المتابعين أن بقاء العبادي الذي تمكن من قيادة المعركة العسكرية، وإن كان بدعم حاسم من التحالف الدولي، فضلاً عن تعددية الأجهزة العسكرية التي قاتلت، أسيراً لحزب الدعوة، جعلته يفقد الكثير من البريق الذي حظي به خلال سنوات المعركة الثلاث.
العضو السابق في البرلمان العراقي والمفكر العراقي المعروف حسن العلوي يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «المشكلة التي واجهت العبادي خلال هذه الفترة بدت مركبة بدءاً من عدم قدرته على استيعاب النصر الذي تحقق على يده ضد تنظيم داعش، برغم أن هذا النصر شارك فيه كثيرون لولاهم لما تحقق بالعبادي، فهو في النهاية لا يملك عصا سحرية». ويضيف العلوي أن «النصر الذي أدار معركته العبادي شارك فيه بفاعلية التحالف الدولي، فضلاً عن الجيش العراقي والحشد الشعبي والحشود العشائرية المناطقية، ولكن الذي حصل أن العبادي رفض أي دعوة للتفاوض مع أي طرف، وهو ما جعل أطرافاً تستثمر ذلك، وفي المقدمة منها إيران التي أعطت الضوء الأخضر للحشد الشعبي للدخول معه بعد أن انتظروا إلى آخر يوم بحيث وضعوه في زاوية حرجة ثم انسحبوا منه». ويمضى العلوي قائلاً إنه «بسبب غلق الباب أمام أي تحالفات جديدة فإن ما بات يواجهه العبادي هي الانسحابات فقط، وآخرها انسحاب عمار الحكيم وائتلافه (الحكمة)».
وفي سياق التوازنات السياسية التي تدور على صفيح ساخن، يقول العلوي إن «الأكراد الذين وضعهم الاستفتاء في موقف صعب استفادوا من هذه التوازنات القلقة، حيث حصلت اتفاقات سرية بينهم وبين الأميركيين انعكست على تحسين وضعهم التفاوضي مع العبادي، خصوصاً بعد إعلانهم إن (نوري) المالكي (رئيس الوزراء السابق) اتصل بهم، وأعلن عن استعداده للتحالف معهم، الأمر الذي أضعف موقف العبادي»، مبيناً أن «المفارقة اللافتة أن خصوم العبادي نوعيون من داخل حزبه (الدعوة) لا من خارجه في الغالب، ولذلك فإنه تورط من جانب آخر باتفاق مع الأكراد حين أعطاهم وعوداً ملزمة التنفيذ». ويختتم العلوي حديثه بالقول إن «ما يحصل الآن هو أن الجميع يدورون في منطقة العروض الانتخابية».
من جانبه يرى السياسي العراقي البروفسور نديم الجابري، أحد المرشحين السابقين لرئاسة الوزراء في العراق، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «العبادي كسب شعبية كبيرة بعد طرد (داعش) وفرض سلطة الدولة على المناطق المتنازع عليها، لكنه مع اقتراب الموسم الانتخابي لم تلاحظ عليه كفاءة في هذا الجانب بحيث يستثمر النصر لصالحه سياسياً»، مشيراً إلى أن «العبادي لم يبد عليه أنه يملك رؤية بعيدة المدى وبقي أسير الانتماء لحزب الدعوة».
ويربط الجابري بين طبيعة بعض تحالفات العبادي وبين إمكانية حصوله على ولاية ثانية، قائلاً إن «الولاية الثانية يقررها إلى حد بعيد العامل الدولي الذي هو العامل الحاسم، والعامل الإقليمي الذي هو عامل مؤثر، وليس فقط الحصول على المقاعد الأعلى في الانتخابات، إذ لو كان الأمر هكذا لكان حصل إياد علاوي عام 2010 على ولاية ثانية، ونوري المالكي على ثالثة عام 2014».
ويمضي الجابري قائلاً إن «تحالف العبادي مع (الحشد) ترك تأثيراً سلبياً على ما كان قد حصل عليه من دعم غربي كبير، لا سيما الدعم الأميركي، بعد فشله في تشكيل تحالف قوي متماسك وليس مثلما حصل الأمر حيث أفقده هذا التخبط جزءاً كبيراً من شعبيته».
لكن عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد الدكتور هاشم حسن يرى في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «قياس الشعبية أمر صعب في العراق، ليس فقط بسبب عدم وجود مؤسسات استطلاع رأي يمكن الأخذ بها بشكل أقرب إلى الدقة، لكن لسبب آخر في غاية الأهمية، وهو زئبقية الجمهور العراقي التي تجعله يدور في منطقة وسطى قلقلة، لا ولاءات مطلقة ولا معارضات مطلقة». ويضيف أن «كل القوى السياسية تراهن على اللحظة الأخيرة التي تحكم مزاج الشارع العراقي الذي يتأثر برمزيات كثيرة، وفي المقدمة منها الرمزيات الدينية، التي يجري توظيفها بشكل كبير وواسع النطاق»، مشيراً إلى أن «العبادي نفسه حين أعلن النصر على (داعش) قال إن ذلك تم بناء على فتوى المرجعية الدينية، وهو ما يعني أن الذي حصل كان بناء على نداء السيستاني لا نداء الوطن».
ويمضي هاشم حسن قائلاً إن «هناك مسائل يجري توظيفها لاعتبارات دينية وطائفية مثلما حصل عام 2010 عندما جرى توظيف ما تحدثت به قناة «الجزيرة» القطرية ضد السيستاني تحت ذريعة الإساءة للمرجعية، بحيث جرى تحشيد الشارع الشيعي، بما رفع رصيد العديد من القوى السياسية الشيعية بشكل كبير من خلال استمالة عاطفة جمهور قد لا يكون سمع أو شاهد ما قالته (الجزيرة)».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».