أكد المشاركون في مؤتمر الازدهار للجميع «تعزيز الوظائف والنمو الشامل في العالم العربي»، المقام في مراكش، أهمية الاستمرار في الإصلاحات لتعزيز النمو الشامل وتمكين المرأة والشباب ودعم القطاع الخاص ومقاومة الفساد ومكافحة الإرهاب لتوفير مناخ استثماري جاذب.
وفي الجلسة الافتتاحية لليوم الثاني أمس، أكد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، أهمية الاستمرار في الإصلاحات، قائلا إن التحولات التي شهدها الاقتصاد العالمي أسفرت عن تحديات اقتصادية واجتماعية تواجهها معظم الدول، ومن بينها الانتقال الديموغرافي وتغيرات البنية السكانية والثقافة الاجتماعية ورفع سقف تطلعات الشباب والمرأة، مما يحتم وضع سياسات للاستجابة للتطلعات، ومنها رفع جودة التعليم والخدمات الصحية والتغطية الاجتماعية وتوفير فرص العمل.
وأشار العثماني إلى ما تمثله مشكلة البطالة من تحد قابل للتفاقم خلال السنوات المقبلة وعائق أمام النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، وقال إن «إشكالية البطالة لا يمكن التغلب عليها دون مساهمة القطاع الخاص في إنتاج الثروات وخلق فرص العمل، ولذا نسعى لخلق مناخ تنافسي وملائم لممارسة الأعمال وتشجيع الاستثمار وتحسين شروط التمويل، خصوصا للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطوير البنية التحتية والانفتاح على الاقتصاد العالمي».
واستعرض العثماني ما قامت به الحكومة من إصلاحات هيكلية وإرساء نمو اقتصادي قوي البنيان، وبناء مؤسسات قوية في مجال حقوق الإنسان والتنافسية ومحاربة الاختلالات والفساد المالي والإداري وتشجيع المبادرات وتحسين مناخ الأعمال وتوسيع برامج الحماية الاجتماعية لدعم الفئات الضعيفة والتصدي للفساد واعتماد الحوكمة والشفافية. وأوضح أن تلك الإجراءات أدت إلى تقدم مركز المغرب في مؤشر القيام بالأعمال من المرتبة 128 عام 2010 إلى المرتبة 69 في عام 2017، مشددا على عزم المغرب الدخول إلى قائمة الدول الخمسين الأولى في المؤشر.
وأكد العثماني أن حكومته انتقلت إلى إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لإعطاء مجال أكبر للصناعة، التي تمثل 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لتصل إلى 21 في المائة عام 2021، مع خطوة وضع سعر مرن لصرف العملة المحلية وإعطاء المرأة أهمية أكبر للقيام بدور في القيادة والمسؤولية لتقوية التنافسية والقيام بالأعمال.
من جانبها، ركزت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي، في خطابها على ثلاث نقاط تحتاجها المنطقة العربية، أولها الحاجة للنمو الشامل، وثانيها مراعاة التعديل والتحولات، وثالثها وضع أجندة لكل المنطقة، مشيرة إلى ثلاث أولويات لتحقيق هذا النمو الشامل، وهي خلق قطاع خاص نشط لتحقيق النمو وخلق فرص عمل، ودعم الفئات الضعيفة والمرأة والشباب، واستغلال السياسات المالية للاستثمار في البشر والبني التحتية.
وقالت لاغارد: «بعد مؤتمرنا الأخير في الأردن عام 2014، وضعت بلدان المنطقة فرص العمل والنمو الشامل في صميم برامجها الإصلاحية، وقد أحرزت تقدما لكنه غير كاف. والعديد من الدول تناضل من أجل توسيع نطاق تنفيذ الإصلاحات وتحقيق تطلعات شباب المنطقة واستعادة الأمل في المستقبل، خصوصا أن أكثر من 25 مليون شاب سيدخلون إلى سوق العمل خلال خمس سنوات في منطقة تعتبر فيها البطالة بين الشباب أعلى نسبة في العالم وتبلغ 25 في المائة. ويرى أكثر من 60 في المائة من المواطنين أنه ليست لديهم (واسطة) للحصول على عمل، وهذا يشكل مصدر قلق وينزع الثقة».
وأشارت لاغارد إلى أن الاقتصاد العالمي القوي يتيح فرصة للإصلاحات، حيث بلغ النمو العالمي 3.7 في المائة في عام 2017، ومن المتوقع أن يصل إلى 3.9 في المائة عامي 2018 و2019، قائلة إن محرك هذا النمو ليس الهند والصين، وإنما يأتي من 120 دولة تمثل ثلاثة أرباع الدخل الإجمالي العالمي، ومحركه الاستثمار والتجارة. وأوضحت أن نمو المنطقة العربية سيصل إلى 3.5 في المائة في عامي 2018 و2019. وهو أقل من نسبة النمو التي بلغت 6 في المائة عام 2008، والسبب هو استمرار الصراعات والتغير المناخي وتأثيره على الزراعة وأسعار المنتجات.
وفي استعراضها للعامل الثاني فيما تحتاجه المنطقة لتحقيق النمو، قالت لاغارد إنه تجب مراعاة التحولات الجديدة واستغلال التكنولوجيا مثل التكنولوجيا المالية «فين تك» FinTech لتعزيز النمو الاقتصادي. وأشارت إلى أن التكنولوجيا المالية زادت سبعة أضعاف في المنطقة منذ عام 2009 في مصر والأردن ولبنان والإمارات.
أما العامل الثالث فأوضحت لاغارد أنه سيكون هناك وضع أجندة للمنطقة تصدر عن المؤتمر الذي يضم أكثر من 20 دولة ومسؤولين حكوميين وممثلي القطاع الخاص، لتبادل الخبرات والتغلب على العقبات التي تحول دون تنفيذ سياسات النمو الشامل.
أما الأولويات الثلاث فقد حددتها مديرة صندوق النقد الدولي في إنشاء قطاع خاص نشط وقادر على تحقيق خلق فرص العمل، وهو ما يستدعي مكافحة الفساد وزيادة المنافسة والاستفادة من التجارة العالمية والتكنولوجيات الجديدة والتعاون بين القطاعين العام والخاص لتحسين البنية التحتية. والأولوية الثانية هي دعم الفئات الضعيفة والمرأة والشباب من خلال تحسين جودة التعليم وسياسات سوق العمل التي تساعد الشباب والنساء على إيجاد فرص عمل مجدية وزيادة الإدماج المالي للمرأة.
والأولوية الثالثة، كما قالت لاغارد، هي استغلال السياسات المالية للاستثمار في البشر والبنى التحتية. وأوضحت أن الإنفاق الاجتماعي وشبكات الأمان الاجتماعي والخدمات الصحية والتعليمة تبلغ 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ19 في المائة في أوروبا، وقالت إنه «لا بد من حلول لزيادة الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والبنية التحتية، وبناء قواعد ضريبية أوسع وأكثر إنصافا مع حماية الفقراء».
ومن جانبه، أكد الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام لصندوق النقد العربي، على تحديد ثلاث أولويات أيضا في مواجهات تحديات البطالة والنمو في المنطقة العربية، مشيرا إلى أن أولها ضرورة تحقيق التنوع الاقتصادي في الاقتصادات العربية، والثاني هو خلق بيئة خاصة للابتكار تدعم رواد الأعمال، والثالث هو تعزيز فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية.
وقال الحميدي: «هناك فرص واعدة للمنطقة التي يشكل الشباب دون 25 عاما نصف سكانها، وهو ما يستلزم مواصلة الجهود لدعم الشباب والاستغلال الأمثل للتكنولوجيا للوصول إلى الخدمات المالية، وتقليص الفجوة بين الرحل والمرأة في النفاذ إلى التمويل وفرص العمل، وهو ما سيحقق إضافة في زيادة الناتج القومي الإجمالي في المنطقة تتجاوز 40 في المائة خلال 10 سنوات».
وركز الحميدي بشكل خاص على المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تتاح لها فرص الوصول إلى التمويل، وقال إن «16 إلى 17 مليون مشروع صغير ومتوسط في المنطقة لا يتاح لها فرص الوصول للتمويل، وإدراكا لأهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعمل صندوق النقد العربي على تطوير السياسات لتسريع تمويل الشركات الناشئة وتعزيز النمو والشمول المالي وزيادة مشاركة المرأة في الأنشطة الاستثمارية ونفاذها للخدمات المالية».
وأوضح الحميدي أن نسبة النساء اللاتي تتاح لهن فرصة النفاذ إلى الخدمات المالية تمثل 13 في المائة فقط في المنطقة، مقابل 47 في المائة عالميا. وشدد على ضرورة استغلال التقنيات الحديثة في النشاطات والخدمات المالية.
ومن جهته، استعرض يوسف الشاهد، رئيس الوزراء التونسي، خلال مداخلته الافتتاحية، التحولات التي عاشتها بلاده في السنوات الأخيرة، مقارنا بين الوضع قبل الثورة وبعدها، مشيرا إلى أن نسبة النمو في بلده، قبل الثورة، التي قامت ضد تفشي البطالة والتهميش والتفاوت الطبقي ظلت في حدود 5 في المائة لأكثر من عشر سنوات.
ورأى الشاهد أن بلاده حققت، رغم كل الصعوبات التي واجهتها بعد الثورة، نجاحات كثيرة، أغلبها على الصعيد السياسي والانتقال الديمقراطي؛ وهي نجاحات، اعتبر أنها، على أهميتها، تبقى «غير كافية».
وتحدث الشاهد عن دستور 2014، قائلا إن التونسيين فخورون بتقارير المنظمات الدولية، التي اعتبرت بلادهم «الأكثر حرية في المنطقة العربية»؛ غير أنه استدرك، فقال إن النجاحات السياسية كانت لها تكلفة اقتصادية، من جهة أن سنوات عدم الاستقرار السياسي أدت إلى تراجع على مستوى الاستثمارات ومداخيل الدولة، الشيء الذي يبرر لم كان الوضع الاقتصادي للسنوات الأولى للثورة ضعيفاً، دون نسيان ارتفاع مصارف الدولة على مستوى تكلفة الأجور، الشيء الذي دفع الدولة إلى الاقتراض الخارجي.
وبعد أن قال إن محركات النمو تعطلت بفعل المطالب التي رفعها التونسيون وتداعيات العمليات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، تحدث الشاهد عن عدد من الإجراءات التي اتخذتها حكومته، بهدف عودة الاستثمار الخارجي بقوة إلى تونس، مشيرا في هذا السياق إلى قانون الاستثمار الجديد لعام 2017، الذي يهدف إلى تحسين مناخ الأعمال والاستثمار لتجاوز العراقيل، إلى برنامج الأمان الاجتماعي وتوفير السكن اللائق. وأكد أن التنمية الاقتصادية تتطلب حوارا اجتماعيا سليما، والتعامل مع الجانب الأمني لمقاومة الإرهاب، الذي قال عنه إنه في مرتبة الفساد، الذي شدد على الضرورة القصوى للتعامل معه، ضمانا للشفافية وتكافؤ الفرص.
وختم الشاهد بالتشديد على عزم حكومته على إنجاح التجربة التونسية بمساريها السياسي والاقتصادي، بإمكانات تونس الذاتية ودعم أصدقائها وشركائها، مشددا على الحاجة إلى تطوير نموذج تنموي يضمن العيش اللائق للجميع ولا يترك فئات من المجتمع دون إدماج في مسلسل التنمية.
مؤتمر مراكش يطالب بمزيد من الإصلاحات ودعم المرأة والشباب
لاغارد: وضع سياسات مالية تدعم الفقراء من أولويات تحقيق النمو الشامل
مؤتمر مراكش يطالب بمزيد من الإصلاحات ودعم المرأة والشباب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة