آثار سوريا تدفع ثمن 7 سنوات من الصراع

قلعة حلب وقد دُمِّر جزء من سورها على أثر تفجير قوات النظام أحد الأنفاق (رويترز)
قلعة حلب وقد دُمِّر جزء من سورها على أثر تفجير قوات النظام أحد الأنفاق (رويترز)
TT

آثار سوريا تدفع ثمن 7 سنوات من الصراع

قلعة حلب وقد دُمِّر جزء من سورها على أثر تفجير قوات النظام أحد الأنفاق (رويترز)
قلعة حلب وقد دُمِّر جزء من سورها على أثر تفجير قوات النظام أحد الأنفاق (رويترز)

سبع سنوات من النزاع في سوريا خلفت نحو نصف مليون قتيل وأكثر من خمسة ملايين نازح، وأيضا أسفرت عن تدمير وتضرر كثير من المواقع التاريخية والمعالم الأثرية.
ولعل مدينة تدمر الأثرية بمحافظة حمص، والتي يعود تاريخها لأكثر من خمسة آلاف عام، هي المثال الأبرز على ما فعله الصراع في سوريا بالآثار، بعدما سيطر تنظيم داعش المتطرف على المدينة في مايو (أيار) 2015، بعد إعلانه «الخلافة» على أراضي واسعة بسوريا والعراق.
وأدت أفعال التنظيم المتطرف والمعارك مع قوات النظام السوري المدعوم روسياً إلى تهديم وتخريب عدد كبير من المباني والقطع الأثرية النادرة في تدمر، والمدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، قبل أن يتم تحريرها من قبضة «داعش» في مارس (آذار) 2017.
ومن أبرز المعالم التي نالها التدمير، أهم أثرين في تدمر، وهما «معبد بل» و«معبد بعل شمين»، والأخير تم تفخيخه بكمية كبيرة من المتفجرات. فبعد سيطرة التنظيم المتطرف على المدينة، نفذ عناصره إعدامات في المسرح الأثري، كما دمروا قبل ذلك تمثال «أسد أثينا» الشهير الذي كان موجودا عند مدخل متحف تدمر، وحولوا المتحف إلى محكمة وسجن، وأعدموا المدير السابق لآثار المدينة خالد الأسعد. بينما تم تدمير جزء من «معبد بل» عبر وضع عبوات ناسفه بداخله.
وفي حلب، أدت المعارك المستمرة لشهور في عام 2013 بين النظام وقوات المعارضة إلى تدمير مئذنة «الجامع الأموي» الذي يعرف أيضا بـ«جامع حلب الكبير»، وهو أيضا ضمن لائحة التراث الحضاري لليونيسكو.
كما تعرضت أجزاء واسعة من الجامع نفسه الذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن الميلادي وأعيد بناؤه في القرن الثاني عشر، لأضرار كبيرة في خريف عام 2012؛ منها حرق أثاث ونهب موجودات.
وفي مارس (آذار) 2014 استهدف قصف لقوات النظام «قلعة الحصن» بريف حمص، التي تعد أفضل الحصون الباقية من زمن الحروب الصليبية، وكانت مقرا رئيسيا وترسانة ومركز إمداد لصلاح الدين الأيوبي في معاركه ضد الصليبيين وآخرين، بحسب «بي بي سي». ويعود تاريخ معظم الأبراج الدفاعية الاثني عشر في القلعة والباحة الداخلية الواسعة إلى القرن الثاني عشر، لكن الحكومة السورية ظلت تستخدمها سجنا خلال عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى عام 1985.
كما تعرض سور قلعة حلب الأثرية لدمار جزئي نتيجة قصف قوات النظام الذي كان يستهدف نفقاً في 2015.
وفي شمال سوريا، أدى قصف تركي على منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية، في عملية أطلقتها أنقرة قبل أكثر من أسبوع، إلى إلحاق أضرار بـ«معبد عين دارة» الأثري، حسبما ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» اليوم (الأحد).
ويعود تاريخ بناء المعبد إلى العصر الحديدي ويضم بقايا منحوتات ضخمة من حجر البازلت ونقوشا جدارية. وأفاد المرصد «بوقوع أضرار مادية في هذه المنطقة الواقعة في جنوب مدينة عفرين، ولم ترد معلومات عن سقوط خسائر بشرية».
وأكدت المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة السورية في بيان «تدمير معبد عين دارة» وأدانت ما وصفته بـ«عدوان النظام التركي». ودعا البيان «المنظمات الدولية المعنية وكل مهتم بالتراث العالمي إلى إدانة هذا العدوان والضغط على النظام التركي لمنع استهداف المواقع الأثرية والحضارية».
ولا يتوقف الأمر عند تدمير عدد من المعالم التاريخية، بل امتد إلى تهريب قطع أثرية وعرضها للبيع على شبكة الإنترنت. وعلى سبيل المثال، فقد شملت المعروضات على إحدى الصفحات على «فيسبوك» في عام 2015، أحجارا كريمة وجواهر وتماثيل، وكما عرض القائمون على صفحة شراء الآثار المنهوبة أيضا.
وتقول «جمعية حماية الآثار السورية» ومقرها فرنسا إن 12 متحفاً من متاحف سوريا الـ36 قد تعرضت للنهب. كما اعتمد تنظيم داعش بشكل كبير على عائدات بيع القطع الأثرية النادرة لمهربي الآثار، والتي تضمنت نقوداً ذهبية وفضية تعود للعصر البيزنطي، فضلاً عن قطع فخارية وزجاجية رومانية تصل قيمتها إلى مئات الآلاف من الدولارات، بحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
ولحقت أضرار كبيرة بكثير من الآثار في سوريا منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في البلاد عام 2011. وبحسب الأمم المتحدة، تعرض أكثر من 300 موقع أثري سوري للأضرار أو التدمير أو النهب خلال النزاع المستمر منذ 7 سنوات ويتسبب يوميا في مقتل العشرات جراء المعارك والقصف المتبادل على جبهات عدة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».