قبل بضع سنوات من الآن، كان نادي إيفرتون يصور لاعبه الشاب روس باركلي على أنه لاعب مختلف تماما عما نراه الآن. ولو سألت المدير الفني الاسكوتلندي ديفيد مويز عن باركلي فسوف يخبرك بأنه عندما كان في الخامسة عشرة من عمره كان أقرب لاعب من حيث القدرات والإمكانات للنجم السابق لمانشستر يونايتد ومنتخب آيرلندا الشمالية نورمان وايتسايد. فقد كان باركلي لا يتوقف عن الركض بطول الملعب وعرضه، ولم يكن يخاف من التدخلات القوية لاستخلاص الكرة. وكان مويز ومدربو فريق الشباب بنادي إيفرتون يضعون أيديهم على قلوبهم عندما يتدخل باركلي بقوة على لاعبي الفرق المنافسة لاستخلاص الكرات بسبب قوته الشديدة في التدخل.
لكن هذه الطريقة التي كان يعتمد عليها باركلي في اللعب قد تغيرت تماما وهو في السادسة عشرة من عمره عندما أصيب بكسر مضاعف في منطقتين مختلفتين بقدمه في إحدى مباريات المنتخب الإنجليزي تحت 19 عاما أمام بلجيكا. وعندما عاد باركلي للملاعب بعد تعافيه من تلك الإصابة لاحظ مدربوه أنه لم يعد يتدخل بنفس القوة والشراسة وأنه بدأ يعتمد بصورة أكبر على مهارته، بالشكل الذي جعل كثيرون يشبهونه بالنجم الإنجليزي السابق بول غاسكوين. وعندما تم تصعيد باركلي للعب في صفوف الفريق الأول بنادي إيفرتون وسط مديح كبير من المدير الفني للنادي آنذاك روبرتو مارتينيز، كان هناك شعور بأنه سيكون محور أداء الفريق وإحدى الأساطير الذين سيقترن اسمه طويلا بنادي إيفرتون.
لكن باركلي انتقل الآن إلى صفوف تشيلسي في العام الذي تقام فيه نهائيات كأس العالم من أجل إثبات أحقيته في الانضمام لتشكيلة المنتخب الإنجليزي المشاركة في المونديال. وقد أبرم تشيلسي هذه الصفقة بمقابل مادي زهيد للغاية، إذا ما وضعنا في الاعتبار أنه كان سيتعاقد مع اللاعب في أغسطس (آب) الماضي مقابل 35 مليون جنيه إسترليني، قبل أن يتعرض لتمزق في أوتار الركبة. وبعد هذه الإصابة، استمر إيفرتون في دفع الراتب الأسبوعي للاعب والذي يصل إلى 60 ألف جنيه إسترليني، فضلا عن تحمل تكاليف العلاج والإشراف على البرنامج التأهيلي. وبعدما استعاد اللاعب عافيته وفتحت فترة الانتقالات الشتوية الحالية، عاد نادي تشيلسي للتفاوض مرة أخرى ونجح في ضم اللاعب بأقل من 20 مليون جنيه إسترليني، وقد وافق إيفرتون على العرض لأنه لا يتبقى في عقد اللاعب مع النادي سوى ستة أشهر فقط وبعدها يحق للاعب الانتقال لأي ناد في صفقة انتقال حر.
وفي نفس الوقت، تعاقد إيفرتون مع لاعبي خط الوسط الهولندي دافي كلاسين والآيسلندي غيلفي سيغوردسون مقابل 79 مليون جنيه إسترليني، كما تعاقد مع واين روني ومنحه راتبا قياسيا في تاريخ النادي، من أجل سد الفراغ الذي سيتركه باركلي. ورغم ذلك، لم ينجح أي من هؤلاء اللاعبين في اللعب بنفس قوة ومهارة باركلي، وهناك شعور أيضا بأن عودة كيران دويل، الذي يلعب على سبيل الإعارة لنادي نوتنغهام فورست، لن ينجح أيضا في سد الفراغ الذي سيتركه باركلي، وهو ما سيجعل مالك النادي فارهاد موشيري مجبرا على إنفاق المزيد من أجل إيجاد اللاعب القادر على القيام بالدور الذي كان يقوم به باركلي. لقد تعاقد تشيلسي مع باركلي مقابل 15 مليون جنيه إسترليني - وهو مبلغ زهيد يدفع الآن في مهاجم سجل 15 هدفا في الموسم في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي - ولذا فمن المؤكد أن إيفرتون يخدع نفسه لو أعتقد بأنه قد قام بعمل جديد في هذه الصفقة!
ومع ذلك، فهذه هي الطريقة التي تُعقد بها الصفقات في بعض الأحيان، ومن المغري أن نعرف أن عمدة ليفربول، جو أندرسون، رغم كل مسؤولياته قد أعلن على حسابه الخاص على موقع «تويتر» يوم الجمعة أنه سوف يطلب من الدوري الإنجليزي الممتاز والاتحاد الإنجليزي لكرة القدم التحقيق في الطريقة التي «ينهار» بها إيفرتون. قد يحتاج أندرسون، وهو أحد مشجعي نادي إيفرتون، إلى الاطلاع على قانون بوسمان والطريقة التي تنخفض بها أسعار اللاعبين في العام الأخير من عقودهم. ولن يكون أندرسون هو الوحيد الذي يعتقد أن إيفرتون قد خسر كثيرا في هذه الصفقة لكن هل لو كان هناك أي شيء غير قانوني أو خطأ في الصفقة يستدعي فتح تحقيق على أعلى المستويات، ألم يكن ينبغي على النادي نفسه أن يتقدم بشكوى؟ لكن الحقيقة تكمن أن إيفرتون قد وافق على الصفقة وليس لديه أي خطط لتقدم أي شكاوى.
ودائما ما يكون هناك شعور بالحزن والألم عندما يقرر لاعب عاش حياته كلها في ناد معين أن يرحل إلى ناد آخر، وخاصة في حالة باركلي الذي رحل دون أن يتحدث عن سبب ذلك. ربما تكمن الأسباب في حصوله على راتب أعلى في تشيلسي، بالإضافة إلى مشاركته في دوري أبطال أوروبا. لكن ربما كان يتعين على اللاعب أن يخرج ويقول بعض الكلمات لمواساة جمهور إيفرتون الذي دائما ما كان يسانده وينظر إليه على أنه أحد أبناء النادي المخلصين.
بالتأكيد، كان هناك شعور بالغضب بين عدد من جمهور النادي خلال الفترة التي انخفض فيها مستوى اللاعب، لكن مباراة الفريق أمام بيرنلي قبل نهاية الموسم الماضي كانت بمثابة مقياس دقيق للعلاقة بين اللاعب والجمهور. فقبل أيام قليلة من تلك المباراة، تم تسريب صور لباركلي وهو في إحدى الحانات بمدينة ليفربول، وهتف الجمهور في ملعب إيفرتون غوديسون بارك ضد باركلي. لكنه لعب بشكل جيد في تلك المباراة ونال تحية حارة من الجمهور عند استبداله بعد ذلك. وبالتالي، ليس صحيحا أن جمهور إيفرتون قد انقلب على اللاعب.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: هل يتمكن باركلي من العودة مرة أخرى لقائمة المنتخب الإنجليزي؟ لقد كان باركلي ضمن قائمة المنتخب الإنجليزي المشارك في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016 بقيادة المدير الفني روي هودجسون، لكنه لم يشارك في أي مباراة في البطولة ولو لدقيقة واحدة. واستبعده سام ألاردايس من المباراة الوحيدة التي تولى خلالها قيادة المنتخب الإنجليزي، وحتى في المرة الوحيدة التي استدعاه بها مدرب المنتخب الحالي غاريث ساوثغيت، استعدادا لمباراتي ألمانيا وليتوانيا في مارس (آذار) الماضي، كان باركلي واحدا من لاعبين اثنين فقط لم يشاركا في أي دقيقة.
لم يلعب باركلي أي مباراة مع المنتخب الإنجليزي منذ مايو (أيار) 2016، ولم يشارك لمدة 90 دقيقة سوى في ثلاث مباريات فقط خلال 22 مباراة، منها 14 مباراة كبديل، منذ مشاركته في صفوف المنتخب الإنجليزي للمرة الأولى وهو في التاسعة عشرة من عمره. وفي آخر سبعة استدعاءات لصفوف المنتخب الإنجليزي، ظل باركلي حبيسا لمقاعد البدلاء، وإذا لم يكن باركلي حذرا فقد تبقى مسيرته الدولية على هذا المنوال ويفشل في حجز مكان له في التشكيلة الأساسية لصفوف المنتخب الإنجليزي ويكتفي فقط بالانضمام من وقت لآخر والجلوس على مقاعد البدلاء. ومع ذلك، فقد أظهر ساوثغيت بالفعل أنه مستعد لضم لاعبين جدد، ولا يزال من الممكن أن يعود باركلي لصفوف المنتخب الإنجليزي قبل انطلاق كأس العالم في روسيا، إذا لم يتأثر كثيرا بإصابة أوتار الركبة التي تعرض لها (أي شخص يقلل من خطورة هذه الإصابة، يجب عليه أن يرى الندبة التي يصل طولها إلى تسع بوصات خلف ساقه)، وإذا جعله أنطونيو كونتي، مديره الفني الجديد في تشيلسي، يؤمن بأنه قادر على اللعب في أعلى المستويات.
دعونا نتفق على أن أداء باركلي يتأثر كثيرا بمدى ثقته في نفسه وفي قدراته. وتكمن المشكلة في أن ثقة باركلي في نفسه قد اهتزت كثيرا عندما تولى المدير الفني الهولندي رونالد كومان القيادة الفنية لنادي إيفرتون واعتقد خطأ أن باركلي من نوعية اللاعبين الذين يتحسن أداؤهم في حال انتقادهم على الملأ، على عكس مارتينيز الذي كان لديه قدرة كبيرة على رفع معنويات اللاعب وثقته بنفسه. وكان باركلي حساسا للغاية تجاه كلمات كومان لدرجة أنه في مرحلة معينة سأل المدير الفني الهولندي عن السبب الذي يجعله يتحدث عنه كثيرا في المؤتمرات الصحافية. لقد تألم باركلي كثيرا بسبب تصريحات كومان في وسائل الإعلام، وعقد النية على الرحيل مجانا، حتى لو كان ما قاله كومان بحقه صحيحا.
وهناك جانب آخر في شخصية باركلي يتضح بالعودة إلى مباراة الدور نصف النهائي لكأس الاتحاد الإنجليزي ضد مانشستر يونايتد في أبريل (نيسان) 2016، وبالتحديد في الأسابيع الأخيرة من ولاية مارتينيز، عندما نزل اللاعبون إلى أرض الملعب قبل بداية الشوط الثاني وكانت النتيجة تشير إلى تأخر إيفرتون بهدف دون رد. كانت هناك صافرات استهجان من جانب جمهور إيفرتون واعتقد باركلي خطأ أن تلك الصافرات كانت موجهة ضده هو شخصيا. وقد حاول لاعبون آخرون، بقيادة فيل جاغيلكا، أن يقنعوه بأن الجمهور لا يستهدفه هو بالتحديد. في الحقيقة، يتعين على لاعب موهوب مثل باركلي وهو في الرابعة والعشرين من عمره أن يثبت أنه قد وصل لمرحلة من النضج تجعله ينتقل من مجرد لاعب موهوب وجديد، بل وجيد جدا في بعض الأحيان، إلى لاعب مؤثر يعتمد عليه الفريق بشكل كبير.
وخلاصة القول تكمن في أن الناس يتحدثون كثيرا ويكتبون كثيرا عن باركلي، لأنه من نوعية اللاعبين اللذين يمتلكون الإمكانات والقدرات التي تجعل الآخرين ينتظرون منهم الكثير. وما يتعين على باركلي القيام به الآن هو ألا يدع الناس تواصل الحديث عن الإمكانات والقدرات التي لم يتمكن من استغلالها حتى يصل إلى أواخر العشرينات من عمره، بمعنى أنه يتعين عليه أن يستغل تلك القدرات والفنيات الآن وليس غدا. لكن الإحصائيات تشير إلى أن باركلي كان أفضل لاعب في إيفرتون من حيث صناعة الأهداف وخلق أكبر عدد من فرص التهديف والمراوغات خلال المواسم الثلاثة الماضية، وهو ما يعني أنه لاعب صاحب قدرات كبيرة وأن تشيلسي قد حصل على صفقة ممتازة بمبلغ زهيد في ضوء أسعار اللاعبين في الوقت الحالي.
على باركلي اغتنام الفرصة في تشيلسي قبل فوات الأوان
الفريق اللندني حقق صفقة قياسية بالتعاقد بمبلغ زهيد مع نجم إيفرتون
على باركلي اغتنام الفرصة في تشيلسي قبل فوات الأوان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة