عام دوران عجلة «بريكست» يولّد فرصاً من رحم الزلزال

ماي وحيدة في بروكسل (أ.ف.ب)
ماي وحيدة في بروكسل (أ.ف.ب)
TT

عام دوران عجلة «بريكست» يولّد فرصاً من رحم الزلزال

ماي وحيدة في بروكسل (أ.ف.ب)
ماي وحيدة في بروكسل (أ.ف.ب)

في 23 يونيو (حزيران) 2016، اتّخذت المملكة المتحدة قراراً ربما يكون الأهم على مستوى جيل بأكمله، وذلك عندما قرر 17.4 مليون ناخب في اقتراع تاريخي الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في أوسع ممارسة ديمقراطية بتاريخ البلاد. وجاء القرار على درجة بالغة من الأهمية، وخلّف تداعيات واسعة النطاق على الصعيد السياسي داخل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تستمر آثاره مهيمنة على الأجندة السياسية لسنوات كثيرة قادمة.
مع أن اتخاذ قرار بالتصويت بنعم على الانفصال قد يبدو توجيهاً سهلاً من الشعب البريطاني لممثليهم، إلا أن خسارة الحكومة في الفترة الأخيرة للأغلبية التي كانت تحظى بها داخل مجلس العموم زادت الأمور تعقيداً. المؤكد أن قاطرة «بريكست» ستمضي قدماً، بغض النظر عن المسار الذي ستسلكه، لكن الواضح أن رئيسة الوزراء أصبحت تحظى بقدر أقل من السيطرة على هذا الأمر. وقد تجلى ذلك للعيان عندما خسرت الحكومة التصويت حول التعديل السابع الذي طرحه البرلماني دومينيك غريف، والذي من شأنه منح البرلمان حق التصويت على أي اتفاق نهائي يبرم بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الحقيقة أن زلزال الانفصال عن الاتحاد الأوروبي بدت مؤشراته منذ وقت طويل مضى، فعلى امتداد عقود تعهدت حكومات حزبي العمال والمحافظين، على حد سواء، بالتزام نهج صارم إزاء أوروبا، واستعادة على الأقل بعض السيطرة. ومع هذا، تعرض البريطانيون مرة بعد أخرى للخذلان، ووجدت المزيد من السلطة والنفوذ طريقها إلى المؤسسات الأوروبية في بروكسل بعيداً عن المركز المفترض للسلطة والديمقراطية داخل مقر «ويستمينستر». واستمر هذا الوضع قائماً حتى تمكن ديفيد كاميرون بشجاعة وبحق من تنفيذ وعده بإجراء تصويت حول الاتحاد الأوروبي. وفي تلك اللحظة نال الناخبون البريطانيون أخيراً حق القرار الحاسم والأخير بخصوص هذه المسألة، وصوّت أعضاء البرلمان بأغلبية ساحقة لصالح منح المواطنين هذا الخيار.
أما النتيجة الفورية لهذا الاستفتاء الذي جرى في يونيو 2016، فتمثلت في كشفه النقاب عن التفاوت الهائل بين آراء العامة وممثليهم المنتخبين فيما يخص الاتحاد الأوروبي. وقت عقد الاستفتاء، كان ما يزيد قليلاً على واحد من بين كل أربعة أعضاء بالبرلمان مؤيدين للخروج عن الاتحاد الأوروبي مقارنة بـ52 في المائة من الجمهور العام. واتخذ معظم أعضاء البرلمان مواقف متعارضة مع مواقف ناخبيهم حيال هذه القضية.
وانطبق هذا الأمر على نحو خاص على أعضاء البرلمان عن حزب العمال الذين ناضلوا باستمرار للترويج لفكرة البقاء داخل الاتحاد الأوروبي بين قواعد ناخبيهم الذين مالوا نحو الاتجاه المعاكس. ويعتبر هذا تحديداً السبب وراء إخفاق حزب العمال في صياغة استراتيجية واضحة ومتناغمة إزاء الـ«بريكست». من قبل، قال جيرمي كوربن إنه «إذا غادرت الاتحاد الأوروبي، فأنت بذلك ترحل أيضاً عن السوق المشتركة». أما اليوم، فيسمع المرء رسائل متضاربة في خضم مساعي أعضاء الحزب إرضاء جميع الأطراف، الأمر الذي نعرف أنه لا يستمر في السياسة لفترة طويلة.
من ناحية أخرى، نجد حزب الديمقراطيين الليبراليين الذين يدّعون أنهم حزب يؤمن بالديمقراطية، لكن عندما يحصلون على نتيجة لا تروق لهم، يرغبون في إعادة الكرّة من جديد. ومع هذا، فإنه بالنظر إلى أن لديهم 12 عضواً فقط بالبرلمان من إجمالي 650، يظل نفوذهم محدوداً. وقد أخفق موقفهم إزاء الاتحاد الأوروبي خلال انتخابات يونيو 2017 في كسب تأييد واسع بين الناخبين.
على الجانب الآخر، فإنه مع اختيار المملكة المتحدة منذ الوهلة الأولى عدم المشاركة في دعائم محورية للاتحاد الأوروبي، مثل اليورو واتفاقية شينغين وميثاق الحقوق الأساسية، لا يملك للمرء سوى التساؤل حول مدى التزام المملكة المتحدة بمشروع الاتحاد الأوروبي منذ البداية.
بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فقدت المملكة المتحدة حتماً جزءاً من «نفوذها» العالمي، واستمر شعور بعدم الارتياح أو ما يصفه البعض بالندم، طيلة 43 عاماً هي عمر عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد. وفي يونيو 2016، حانت أخيراً الفرصة لاستعادة هذا «النفوذ»، وسارع الناخبون البريطانيون لاستغلالها.
من جانبي، أشعر بالتفاؤل حيال الإمكانات المستقبلية للمملكة المتحدة، وبخاصة فيما يتعلق بالتجارة وبناء تحالفات جديدة وتعزيز الروابط القائمة مع حلفائنا. وينطبق هذا الأمر من وجهة نظري بصورة خاصة على علاقاتنا بأصدقائنا القدامى والموثوقين في مجلس التعاون الخليجي، التي يتم التعامل معها بأكبر قدر من الجدية في ظل عالم من التطرف المتنامي الذي لا يعرف حدوداً، وكذلك تزايد نزعات القومية الاقتصادية والحمائية. وفقط، من خلال التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي سيمكننا تناول القضايا العالمية الملحة بصورة مباشرة وشجاعة. اللافت أنه في غضون شهور من توليها منصبها، حرصت رئيسة الوزراء تيريزا ماي على توجيه خطاب مباشر إلى دول المجلس من المنامة، إلى جانب حرصها على تنظيم جولة عبر دول المنطقة.
لقد كانت المملكة المتحدة على امتداد عقود في صدارة التجارة العالمي،ة ومن أبرز الأصوات الداعمة لها، وأعتقد أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي يخلق فرصة ذهبية لتعزيز أواصر التجارة الثنائية من جديد مع دول بمختلف أرجاء العالم تبعاً للشروط التي تروق لنا وتناسبنا، وكذلك العمل على استعادة مقعدنا بمنظمة التجارة العالمية.
تجدر الإشارة إلى أنه في أعقاب الاستفتاء حول الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، استحدثت حكومة المملكة المتحدة وزارة التجارة الدولية التي عينت ما يزيد على 3.200 موظف و200 مفاوض تجاري، وأنشئت قواعد لها داخل ما يزيد على 100 دولة. كما جرى توسيع نطاق برنامج «المبعوث التجاري» التابع للحكومة.
في وقت سابق من العام، شرفت بتعييني من جانب رئيسة الوزراء مبعوثاً تجارياً لدى باكستان. وبالفعل، بدأت الجهود الحكومية تؤتي ثمارها، وأبدت عشرات الدول رغبتها في إبرام اتفاقات تجارية مع المملكة المتحدة في أعقاب إنجاز الـ«بريكست». وهذا الحديث ليس أماني أو أوهاماً، وإنما واقع قائم.
ولا يخفى على أحد أن منطقة الخليج كانت في صدارة اهتمام المملكة المتحدة، ورغبتها في التواصل مع باقي دول العالم. وفي أبريل (نيسان)، استضافت لندن مؤتمر الشراكة العامة - الخاصة بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي.
في الوقت الحاضر، تصدر شركات من المملكة المتحدة سلعاً وخدمات إلى دول مجلس التعاون الخليجي سنوياً بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار؛ ما يبلغ ضعف قيمة صادراتنا إلى الهند. ومع ذلك، تبدو هذه المنطقة بمثابة محيط ضخم من الإمكانات غير المستغلة بعد؛ ما يستلزم مزيداً من تعزيز الروابط التجارية معها.
ومن المقرر أن يشكل ذلك محور التركيز الأساسي لمجموعة العمل التجارية التي تأسست في الفترة الأخيرة مع مجلس التعاون الخليجي. ومن المقرر أن تعمل هذه المجموعة على صياغة شكل العلاقات التجارية بين الجانبين في المستقبل، والتخلص من العوائق التجارية وإقامة علاقات تجارية أوثق.
من جهة أخرى، فإن التجارة ليست المجال الوحيد الذي لا تزال العلاقات بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي تشهد تقارباً في إطاره، وإنما كذلك الدفاع والأمن. ومثلما صرحت رئيسة الوزراء خلال زيارتها إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فإن: «أمن الخليج هو أمن المملكة المتحدة». المؤكد أنه ليس بمقدور دولة واحدة الوقوف في وجه التحديات الدولية، وقد كان التعاون بين المملكة المتحدة والدول الخليجية واحدا من العوامل الأساسية وراء اندحار «داعش»، على سبيل المثال.
من جانبها، تبدي المملكة المتحدة التزاماً كاملاً بالتصدي للتهديدات الإيرانية لاستقرار المنطقة، وسنوجه استثمارات تزيد على 3 مليارات جنيه إسترليني في الدفاع داخل مجلس التعاون الخليجي على امتداد السنوات العشر المقبلة. وفي الواقع، فإن التزام المملكة المتحدة بأمن الخليج ليس مجرد خطابات، وإنما عاينت بنفسي الوجود الدائم للمملكة داخل المنطقة في صورة قاعدة «إتش إم إس الجفير» للأسطول الملكي البريطاني في البحرين.
موجز القول، إنه في الوقت الذي تتحرك بعض الدول، وبينها حلفاء قدامى، نحو مزيد من الحمائية الاقتصادية، فإنني على يقين من أن المملكة المتحدة، وبخاصة في ظل الفرص الجديدة التي تولدت من رحم الـ«بريكست»، والدول الخليجية سيقفان جنباً إلى جنب أصواتاً قوية مناصرة للتجارة الدولية وسيزداد التعاون بينهما على صعيد القضايا العالمية.
والمؤكد أننا نعايش حالياً لحظة حاسمة في تاريخ المملكة المتحدة ويجب أن نُقبل على هذا العالم الجديد بذراعين مفتوحتين. كما ينبغي التأكيد على أن المملكة المتحدة ترحل عن الاتحاد الأوروبي، لا عن أوروبا، بمعنى أننا سنمضي في أدوارنا داخل المنظمات الدولية، مثل «الناتو» ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والكومنولث، وسنمضي في الاضطلاع بدور محوري في المجتمع الدولي عبر العمل مع شركاء من مختلف أرجاء العالم لجعل العالم مكاناً رائعاً وسلمياً ومزدهراً لنا جميعاً.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».