اليمن... حراك 2017 قرَّب ساعة النصر

اليمن... حراك 2017 قرَّب ساعة النصر
TT

اليمن... حراك 2017 قرَّب ساعة النصر

اليمن... حراك 2017 قرَّب ساعة النصر

كانت سنة 2017 حبلى بكثير من الأحداث على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ولم يكن اليمن استثناء، فقد شهد منذ مطلع هذا العام وحتى نهايته كثيراً من التطورات على مستويات عدة؛
أبرزها الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، وهناك مؤشرات تشي بقرب النهاية للعنجهية الحوثية، من بينها انتصارات الجيش الوطني في الحديدة وانتفاضة صنعاء التي غيرت موازين القوى
في الشمال اليمني.
منذ انطلاق عمليات عاصفة الحزم في مارس (آذار) 2015، وتحالف دعم الشرعية في اليمن يسهم بشكل جاد وفعال في تحرير كل شبر من الأراضي اليمنية وتخليصها من سلطة الانقلابيين الكهنوتية وحكمهم الاستبدادي، جنباً إلى جنب مع إخوانهم أفراد القوات المسلحة والأمن اليمنية وكل المخلصين من أبناء هذا الوطن الغالي، حتى أضحى 80 في المائة من الأراضي اليمنية محرراً. ومنذ مطلع العام الحالي أسهمت قوات التحالف عبر قواتها الجوية والبحرية في دعم تقدم العمليات العسكرية صوب الساحل الغربي، وقد تكللت بتحرير مدينة وميناء المخا الاستراتيجي في يونيو (حزيران) الماضي وطرد ميليشيا الانقلاب التي تكبدت خسائر فادحة مادية ومعنوية، ولم يكتفِ رجال الجيش الأشاوس بذلك، آخذين على عاتقهم حلم الثورة والجمهورية وبناء الدولة المدنية الاتحادية، لتتقدم القوات المسلحة في كل المناطق.
كذلك في تعز والبيضاء ولحج وأبين وشبوة وصرواح، فالمقاومة الشعبية والجيش الوطني يخوضان حرباً استنزافية للميليشيا الحوثية تشمل تدمير أسلحتها وعتادها، التي تم نهبها من معسكرات الجيش إبان سيطرة الميليشيات على صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وقد غيرت الميليشيا من استراتيجيتها، حيث أصبحت تحتمي بالمناطق والتجمعات السكانية وتلجأ لتخزين الأسلحة وتلغيم الطرقات المؤدية لمناطق سيطرتها لمنع القوات المسلحة من التقدم على الأرض والاحتماء من ضربات طيران التحالف.
ولم يمنع كل ذلك التحالف والقوات المسلحة اليمنية من تحرير المناطق اليمنية في كتاف بمحافظة صعدة والمناطق شرق الجوف التي كانت تحت سيطرة الحوثيين، فيما تقدم الجيش شرق العاصمة صنعاء وتوغل في مديرية نهم التي تعتبر البوابة الشرقية لصنعاء، ما أربك حسابات الميليشيا المدعومة من إيران، وجعلها ترسل آلافاً من المقاتلين عبر الجبهات للدفاع عن معاقلها في صنعاء وصعدة دون إحراز أي تقدم، ويمكننا القول الآن إن الميليشيا أصبحت في أضعف حالاتها عسكرياً، وفقدت القدرة على السيطرة على مجريات الأمور والتحكم فيها، وذلك بفضل التخطيط الاستراتيجي الذي رسمته القيادة العسكرية بالشراكة مع التحالف العربي الذي من خلاله جنب معظم المدن المزدحمة والمناطق المأهولة بالسكان الدمار.

الحالة الإنسانية
مع استطالة أمد الحرب التي تسببت بها ميليشيات الحوثي اشتدت الأزمة الإنسانية في اليمن، فبحسب تقارير المنظمات الدولية يحتاج 20 مليون يمني للرعاية الإنسانية، من بينهم ما يقارب 10 ملايين يحتاجون لرعاية عاجلة. فيما يواجه ما يقارب 60 في المائة من السكان احتياجاً عاجلاً للغذاء. وقد نزح ما يقارب 3 ملايين من منازلهم، وتضررت الخدمات العامة في البلد، وأصابت الكوليرا ما يقارب نصف مليون شخص، ولم تكن الخدمات الطبية بأحسن حال، فنصف المنشآت الطبية لا تعمل، وقد تضررت الزراعة التي كانت تشكل مصدر رزق لنصف السكان بشكل كبير، ويحتاج ما يقارب 15 مليوناً للوصول إلى مياه نظيفة. إن هذا الوضع الإنساني المأساوي يجب أن يدفعنا للعمل على وضع حد لميليشيا الحوثي التي تريد السيطرة على اليمن بكامله، والسعي لإحلال الأمن والاستقرار الكفيلين باستعادة ملامح الحياة الطبيعية للمواطن اليمني من أقصى البلد لأقصاه، فها نحن نطوي صفحة عام آخر ما زالت الحرب مستعرة فيه.
وعلى الرغم من خطورة الوضع الإنساني في اليمن، فإنه حتى الآن لم يحظَ بالاهتمام الكافي من قبل الإعلام العالمي والمجتمع الدولي، حيث تمارس الميليشيات الحوثية سياسة العقاب الجماعي في مناطق نفوذها، كما استفاد تجار الحروب الحوثيون من الأزمة لإيجاد سوق سوداء لبيع المشتقات النفطية بأسعار مضاعفة مثقلين كاهل المواطن اليمني بأكثر مما يتحمل.

الشرعية والتحالف
لم يقتصر دور تحالف دعم الشرعية على الدعم المقدم عسكرياً، بل شمل الدعم جميع النواحي الاقتصادية والإنسانية والسياسية، ووفر التحالف غطاء للشرعية لإعادة تطبيع الخدمات في المناطق المحررة، لا سيما المتضررة من الحرب، شمل هذا الدعم توفير الكهرباء ومضخات المياه وتجهيز المستشفيات والمرافق الصحية من جميع النواحي الحياتية وتأهيل المطارات والموانئ وجميع المعابر وإعادة فتحها، حيث أكدت الدول الراعية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أنها ستقف مع اليمن في سبيل تصحيح وضعه الاقتصادي الذي يعاني من انتكاسة بسبب الأضرار الناجمة عن الحرب وتوقف تصدير النفط والغاز.
سياسياً، فقد أكد وزراء الخارجية ورؤساء هيئة الأركان لدول تحالف دعم الشرعية في اليمن في بيانهم الختامي في الرياض أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دعم الحكومة اليمنية الشرعية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية ضد الميليشيات التي قامت بانقلاب عسكري لاختطاف الدولة اليمنية واحتلالها العاصمة صنعاء، وقد شاركت وفود دول تحالف دعم الشرعية مع الحكومة اليمنية في استعراض ما تقوم به الميليشيا الانقلابية من قتل للشعب اليمني، وتعريضه للأزمات والجوع والمرض والعبث بالمقدرات في المحافل الدولية وتعريض أمن واستقرار دول المنطقة والملاحة البحرية للخطر، وأسهم التحالف مع الحكومة الشرعية في تبيين الدور الذي تلعبه إيران في دعم الميليشيا ودعمهم بالأسلحة والصواريخ الباليستية، الذي يعد انتهاكاً صارخاً لقرارات مجلس الأمن
وأسهمت هذه الجهود في كسب الشرعية للدعم والتأييد الدولي في سبيل القضاء على الانقلاب العسكري والعودة لاستئناف المفاوضات السياسية، حسب المرجعيات السياسية تنفيذاً للقرارات الأممية، ما يضمن أمن المنطقة واستقرارها، ونزع السلاح عن الميليشيات المسلحة.

المسار السياسي... طرق مسدودة
هذه السنة كانت شاهدة على تعثر الحوار السياسي بين الحكومة الشرعية و(طرفي) الانقلاب، فقد كانت آخر مفاوضات جرت هي مفاوضات الكويت المطولة عام 2016 التي اقتربت من التوصل إلى اتفاق حينها، وعلى الرغم من أن هناك عدة محاولات تمت للتمهيد لمفاوضات جديدة وتطبيق خطوات لبناء الثقة، فإنها فشلت جميعاً بسبب تعنت الطرف الآخر الذي يصر على إفشال كل سبل السلام. فقد هوجم المبعوث الأممي في صنعاء في شهر مايو (أيار) من قبل الحوثيين، حيث تم إطلاق الرصاص على موكبه في استهداف صريح عكس استهزاء بكل الأعراف الدولية والدبلوماسية. ولعل السنة المقبلة تضعنا أمام واقع جديد للحسم، خصوصاً مع التطورات التي جرت في شهر ديسمبر (كانون الأول) والتي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحوثية حركة لا يمكن أن تكون جزءاً من أي تسوية سياسية مستقبلية، فهي حركة استبدادية إقصائية ذات بنية عقائدية متشددة لا يمكن أن تقبل بحليف ليشاركها في الحكم، ناهيك عن خصوم سياسيين ضمن مناخ توافق سياسي يكفل التعدد الحزبي وتداول السلطة.

الحكمة تتجلى في مأرب
لطالما كانت مأرب مفاجأة جميلة بالنسبة لي، أثناء الحوار الوطني اليمني الذي كنت أمينه العام، كانت مأرب السباقة في إعلان دعمها لمخرجات الحوار الوطني، وكنا نندهش أثناء زياراتنا للمدينة بحجم الشوق الذي يكنه أهلها للدولة المدنية والمواطنة المتساوية، وعلى الرغم من الثروات التي تزخر بها المحافظة، فإنها تعرضت للإهمال طيلة 3 عقود من حكم النظام السابق، فقد كانت عائداتها تذهب بشكل كامل للحكومة المركزية.
ولم تكن مأرب استثناء في الحرب، فقد قدمت شبابها وما زالت للدفاع عن اليمن، وسطرت ملاحم نادرة في نضال اليمنيين تجاه عدوهم اللدود الحوثي. ولكننا في هذا العام كنا على موعد مع ازدهار غير مسبوق لمأرب على كل الأصعدة، مأرب التي احتضنت آلاف اليمنيين النازحين من المواجهات، تنتعش بنمو اقتصادي لتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان الجدد، حيث تشهد المحافظة توسعاً كبيراً عبر قيام السلطة المحلية بشق وسفلتة كثير من الشوارع الجديدة، كما شجع المناخ المستقر للمدينة كثيراً من المستثمرين لإيجاد مشاريع تجارية وإعمارية.
تشكل مأرب نموذجاً لنجاح السلطة المحلية التابعة للشرعية، فقد رفضت مأرب منذ الانقلاب التعامل مع التوجيهات الصادرة من السلطات هناك، وعلى الرغم من الصورة التي تمت إشاعتها عن مأرب باعتبارها مجتمعاً قبلياً مسلحاً، وهي صورة ذات أبعاد مغرضة أريد لها أن ترتبط بالمحافظة، فإنها أثبتت واقعاً خلال السنوات الأخيرة أنها تملك من التمدن والتحضر والحكمة الإدارية ما يمكنها أن تصبح قبلة لآلاف اليمنيين النازحين من نير الحرب من كل المناطق بلا تفريق، ولا عجب، فهذه المدينة كانت تاريخياً مهد قبائل العرب وموطن حضارة سبأ وحضارات العرب الأولى، والبلدة الطيبة المذكورة في القرآن الكريم، إنها مأرب اليقين وأرض الجنتين.

الجنوب... إنجازات وتحديات
منذ إعلان عدن في الرابع من مايو من العام الحالي والجنوب يعيش حالة من الاحتقان السياسي التي بدأت بإعلان تكوين المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو تشكيل سياسي جنوبي تم تأسيسه إثر تغيير محافظ عدن اللواء عيدروس الزبيدي بقرار جمهوري.
إلا أن أي قراءة واقعية للتطورات السياسية في اليمن عموماً والجنوب خصوصاً سيدرك مدى التغيير الذي طرأ على الواقع الجنوبي بفعل الاحتقانات المتراكمة، وأن أي أفعال أحادية مهما بدت واعدة، فلن تزيد الواقع إلا سوءاً، وأن دعم المشروع الوطني للرئيس عبد ربه منصور هادي في تأسيس الدولة الاتحادية، التي من خلالها ستتم معالجة كل مظالم الجنوب، هو الحل الأكثر قابلية للحياة والنجاح، ولعل الصمود والبسالة الفريدة التي أبدتها المقاومة الجنوبية ضد الانقلاب الحوثي على الشرعية وتأمينها المناطق المحررة من المهرة وحضرموت وحتى عدن، ومشاركتها الفعالة في تحرير المخا والخوخة وكتاف بصعدة لدليل إضافي على إمكانية المراهنة عليها كرافعة للمشروع الوطني الجامع.
ليس كذلك وحسب، فالمقاومة الجنوبية ورجال الأمن شكلا حجر الأساس في الحرب ضد الخلايا الإرهابية التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، فمنذ مطلع العام الحالي نفذت القوات الخاصة في عدن وبعض المحافظات الجنوبية عمليات ضد تنظيم القاعدة الإرهابي، ودمرت أوكاره في كثير من المناطق في محافظات شبوة وحضرموت وأبين وعدن، واستمرت العمليات وبدعم من تحالف دعم الشرعية في اليمن بالمتابعة والرصد لهذه الخلايا، لتجفيف منابعها وحصد شرورها، حفاظاً على مكتسبات الدولة وحماية أمن واستقرار المواطن اليمني.
منذ عودة الحكومة لعدن خلال هذا العام ورغم التحديات، فقد حققت تقدماً كبيراً نحو البناء المؤسسي وترسيخ دعائم الدولة عبر تفعيل المكاتب الخدمية والوزارات والهيئات الرسمية، وتفعيل دور القطاع الخاص لعمل طفرة اقتصادية على الصعيدين المحلي والإقليمي، حيث تشهد الموانئ في عدن والمكلا حركة تجارية كبيرة وتعتبر الرافد الأكبر للسوق المحلية من البضائع الغذائية والمشتقات النفطية.
كما لم تهمل الحكومة ملف الخدمات الذي يشهد تقدماً مستمراً خلال النصف الأخير من العام الحالي، مقارنة بالسنوات الماضية التي انعدمت فيها الخدمات بشكل ملحوظ وعانى فيها المواطن الأمرين في سبيل توفيرها.
رغم ذلك، فما زال سقف المطالب الكبير الذي يُطرح في الجنوب يشكل تحدياً كبيراً أمام مستقبل تكوين الدولة الاتحادية، لكنه كذلك لا يخلو من الفرص التي تحتاجها الدولة الشرعية للتوصل إلى الحل الأمثل للقضية الجنوبية العادلة، وفق مخرجات الحوار الوطني.

انتفاضة صنعاء... فصل جديد
لم يتغير المشهد كثيراً في صنعاء بداية العام، لكن في الأشهر الأخيرة بدا أن الأمور تتجه لطلاق بائن بين الحليفين علي عبد الله صالح وعبد الملك الحوثي، تجلت بوادر هذا الخلاف بوضوح عندما أقام «المؤتمر» فعالية تأسيسه في أواخر أغسطس (آب) وما سبقها من تصعيد حوثي وتصريحات، تصاعدت الأمور بعدها في مناوشات كانت تنتهي بوساطات عابرة هشة لا تدوم، حتى انفجرت الأمور بشكل دراماتيكي في الثاني من ديسمبر 2017 فيما عُرف لاحقاً بـ«انتفاضة صنعاء»، التي أدت لتغيير بوصلة «المؤتمر» كلياً بعيداً عن حليف الشر «الحوثي» الذي لم يراعِ خطوطاً حمراء ولا أعرافاً، فهاجم بيت الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى أن أرداه قتيلاً، واستجلب المدرعات والدبابات للأحياء المكتظة بالمدنيين. ونحن ندرك أن هذا ليس بجديد على ميليشيات الضلال والإرهاب التي مارست صنوف البشاعات في المحافظات، وفجرت البيوت وقصفت الآمنين، فلم يبقَ إلا أن تصيب سهام الغدر والشر حليفها، وقد فعلت. إن ما حدث في صنعاء جعل الشعب اليمني كله في كفة والحوثي وحيداً في كفة أخرى، لقد تجلت بشاعة الحوثيين كميليشيا متعصبة لا تعترف بالحد الأدنى من أخلاقيات الاختلاف. وكل من شكك بهذه الحقيقة أصبح يراها رأي العين اليوم، فهي الحركة التي تنكل بحلفائها قبل خصومها. إن انتهاء تحالف الحوثي وحزب المؤتمر الشعبي العام يشكل مكسباً مهماً للحركة الوطنية اليمنية المناهضة للحوثي بقيادة السلطة الشرعية التي يقاتل جيشها بضراوة في جبهات مختلفة ضد هذه الجماعة الضالة. لقد توحد الشعب اليمني بمختلف أطيافه ضد الحوثيين، وهذا التوحد يجب أن يناظره تحرك من قيادة الشرعية بما يتناسب وحساسية هذه المرحلة.
قد يبدو المشهد قاتماً الآن في صنعاء مع استفراد السلطة الحوثية بالحكم دون شريكها المؤتمري، لكن هذه الحركة الغادرة تطعن نفسها بنفسها، فقد خلقت لها ثارات في كل بيت يمني، وقد أدرك اليمنيون أكثر من أي وقت مضى قيمة الجمهورية والدولة المدنية وفداحة ما تم الانقلاب عليه في 2014 من مخرجات حوار كانت ستشكل الأساس والأرضية لدولة مواطنة متساوية، لكنني متأكد اليوم أكثر من أي وقت مضى أنه سيأتي اليوم الذي ستدفع فيه هذه الشرذمة الضالة ثمن تعاليها على الشعب اليمني، وأن هذا الوقت أصبح قريباً جداً. تحضرني في الأخير أبيات للبردوني شاعر الجمهورية العظيم يقول:
صنعاء ماذا تشتهين؟... أتهدئين لكي تموري؟... تتوهجين ولا تعين... وتنطفين بلا شعور. كم تحملين ولا ترين... وتعتبين على الدهور... ما زال يخذلك الزمان... فتبزغين لكي تغوري... يا شمس صنعاء الكسول... أما بدا لك أن تدوري.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».