> الفيلم: ميل يا غزيل
> إخراج: إليان الراهب
> النوع: دراما/لبنان
> تقييم: (***** من خمسة)
لم يعمد فيلم لبناني آخر (باستثناء «لي قبور في هذه الأرض» لرين متري)، للبحث في موضوع الغربة الناتجة عن فقدان الأرض الموروثة أباً عن جد. في فيلم متري هناك التهجير الذي بدأ خلال الحرب الأهلية اللبنانية فقلع العائلات المسيحية من جذورها في بعض قرى وبلدات ومزارع الجنوب. هنا، في فيلم إليان الراهب الذي كان مهرجان قرطاج التونسي آخر محطات عرضه، لا يوجد اقتلاع بل حالة يأس تدفع البعض لبيع أراضيهم في هجرة يختارها برضا وقبول. والمواطن هيكل ميخائيل له الحق في أن يخشى تبدلاً ديموغرافياً تفقد معه المنطقة خاصتها الثقافية والدينية والبيئية المتوارثة.
يعيش هيكل في قرية منزوية في منطقة عكار على مقربة من الحدود السورية ويرقب الخوف الآتي عبرها الحامل لمتغيرات اجتماعية قد تصبح حاسمة. لكن المتغيرات لا تأتي فقط عبر ذلك؛ أفواج المهاجرين والمهجرين السوريين، بل من قبل بعض الطوائف اللبنانية التي تسعى لتغيير ديموغرافية المنطقة المسيحية بأسرها مما جعله ينأى عما أقدم عليه جيرانه الذين رضوا بيع أراضيهم للغرباء.
هيكل يلحظ هذا التغيير شاكياً. إيليان هناك (مع مديرة تصويرها جوسلين إبي جبريل)، تلتقط أنفاسه لكنها تناجيه طارحة أسئلة تعلم مدى وقعها عليه. وهي تلتقط كذلك أنفاس المكان الجبلي العالي والمشرف. لكي تفعل ذلك، لا بد أنها أمضت عدة أشهر التقطت فيها تغير الفصول وتأثير ذلك على النباتات والأشجار وعلى الأرض ذاتها. بذلك يحس المشاهد أنّه يعيش الحالة وما تعنيه كما لو كان موجوداً هناك.
وجود إليان في هذا الفيلم ملموس تعكسه اللقطات المختارة لتفاصيل الحياة. هي حاضرة بأسئلتها وبالكيفية التي تطلب من الكاميرا أن تتعامل مع هذا الحضور. بذلك تضع نفسها شريكة في البحث مع وجهة نظر مستقلة. صحيح أنها تنقل وجهة نظر هيكل لكنها لا توافقه في كل وجهات نظره وسلوكياته. بذلك وجودها ضروري كمرآة عاكسة وفي الوقت ذاته لا يحول العمل إلى حديث عنها (كما حال كم كبير من الأفلام التسجيلية المنجزة في السينما العربية).
العنوان الإنجليزي أكثر تعبيراً من العنوان العربي المستخدم. هو «أولئك الذين بقوا» (Those Who Remained)، وفي هذا الصدد يجسد هيكل لنموذجهم على مساحة الجبال والوديان التي حوله. لكن المرء لا يمكن أن يفوت أن للعنوان اتصالاً بحياة هيكل الخاصة في الوقت نفسه. فهو يعيش وحيداً في منزله ومزرعته، بعدما هجرته زوجته، وفي هذه الحالة يعكس العنوان حالته منفرداً ضمن الإطار العام. كل ذلك يؤدي بها إلى الحفاظ على مسافتها الفكرية المستقلة عما يتبعه هيكل من قناعات (دخل الحرب الأهلية وخرج بها) سياسية أو اجتماعية.
مع الأخذ بالاعتبار كل هذه الإيجابيات والحسنات الواردة تبرز بعض المسائل التي تبدو كما لو كانت تشكل حاجزاً من دون سلاسة العمل. نقلاتها من وإلى الموضوع الأساس من شأنها إبراز فراغات غير مطلوبة. هل أن الراهب تجاوزت قدراتها أم هي اقتربت من الموضوع لدرجة الملامسة بحيث غابت عنها بعض خشونة تلك النقلات؟
شاشة الناقد
شاشة الناقد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة