د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا وأزمة الهجرة والرقيق

قمة أوروبا - أفريقيا في أبيدجان انعقدت لنقاش شريط فيديو عرضته قناة أميركية، لا تلقى مصداقية حتى من رئيس بلادها ترمب، وكان لها دور مشبوه في التمهيد لحروب كثيرة، شريط يعرض صوراً مجهولة المكان والزمان وحتى الشخوص، بينما تجاهلت القمة الأفريقية الأوروبية نقاش معاناة 6 ملايين ليبي جراء حرب الميليشيات منذ سنوات، رغم أن بلادهم دولة مؤسسة للاتحاد الأفريقي، وتحتل مساحة شاسعة وكبرى في بوابتها الشمالية، وليست المسؤولة عن تهجير الأفارقة، ولا حتى عن حمايتهم ودخولهم بطريقة غير نظامية إليها.
لسنا ضد محاسبة ثلة من المجرمين تسببوا في صدمة صور سوق للنخاسة والسخرة، التي لم يتحقق منها من مصدر مستقل حتى اللحظة، تلك الصور التي يظن أنها لمتسللين «مهاجرين» غير نظاميين تعرضوا لها في ليبيا بلد العبور إلى «جنة» الغرب أوروبا، كما يتوهم هؤلاء المهاجرون، حتى انتاب العالم موجات من الاستنكار والتنديد، بل وحتى الضرب المبرح مثل ما تعرض له السفير الليبي لدى النيجر، وتحميل ليبيا وزر حادثة لم يتم التحقيق والتأكد منها بعد، بينما لم تنعقد أي قمم أو اجتماعات لإجلاء أو حماية مسلمي بورما مثلاً وهم يتعرضون لإبادة جماعية، ولا حتى إبادة واستعباد الهنود الحمر قديماً.
إجلاء هؤلاء المهاجرين غير النظاميين وترحيلهم، اللذين أقرهما اجتماع قمة أبيدجان وأعلن فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اتفاق ليبيا مع الاتحاد الأوروبي والقادة الأفارقة على السماح بإجلاء المهاجرين الذين يواجهون اعتداءات في معسكرات الاحتجاز، بشكل طارئ خلال أسابيع وقال ماكرون إنهم قرروا القيام بعملية طارئة لإخلاء أولئك الذين يريدون الخروج من ليبيا، رغم أن إجلاء هؤلاء المتسللين أو ترحيلهم أو إبقاءهم للمحاكمة في ليبيا لتسللهم للأراضي الليبية، وقد يكون بعضهم قد شارك في أعمال تخريبية أو الانضمام للجماعات المسلحة أو حتى «داعش»، خصوصاً أن إيطاليا إحدى دول المهجر لهؤلاء اعترفت بتسلل عناصر لـ«داعش» عبر هؤلاء المهاجرين، وبالتالي يصبح من حق السلطات الليبية معاقبة المتسللين لأراضيها بغير صفة قانونية، حتى لا يتكرر التسلل مثل ما يطلب من ليبيا محاسبة المسيئين لمعاملة هؤلاء المتسللين بصفة الهجرة، كما أن ليبيا ليست مسؤولة عن نفقة الترحيل أو الإجلاء لمتسللين لأراضيها.
خطة الترحيل أو الإجلاء لهؤلاء المتسللين «المهاجرين» القابعين في معسكرات الاحتجاز في ليبيا، جاءت بعد أن دعا رئيس ساحل العاج، إلى إنهاء «تجارة الرقيق» والانتهاكات الأخرى ضد المهاجرين في ليبيا، خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأفريقي في العاصمة أبيدجان، الذي هم أغلبهم تحت سلطة ميليشيات وعصابات التهريب، وليسوا تحت السلطة الليبية بشكل مباشر.
تدويل قضية المتسللين «المهاجرين» له مسببات أخرى مخفية، من بينها ليّ ذراع السلطات الليبية للقبول بالمرحلة الثالثة من عملية صوفيا التي تتزعمها إيطاليا، التي تعرضت للرفض من الجانب الليبي، والتي تضمن عمليات عسكرية في المياه الليبية لإغراق السفن التي تقل «المهاجرين» ولم تلق أي احتجاج أو تنديد دولي للعملية التي تعد همجية في التعامل مع «المهاجرين» ولا تختلف عن مزاعم بيعهم في سوق للنخاسة مفترضة في ليبيا.
يبقى موضوع سوق النخاسة في ليبيا حادثة فردية وليس ظاهرة عامة، وأشبه بمسمار جحا تحاول دقه أوروبا في النعش الليبي، للتسلل من خلاله للتدخل عسكرياً وبشكل مباشر في بلد غارق في فوضى الميليشيات والحروب التي تسببت فيها أوروبا، بعد أن أسقطت الدولة وليس فقط النظام في ليبيا عام 2011، دون أن تسعى لجمع السلاح الذي تسببت في بعثرته في ليبيا، ولا حتى المساعدة في حماية المدنيين الليبيين قبل الأفارقة المتسللين من بطش الميليشيات والعصابات.