«رأس الثور» يعود إلى لبنان بعد سرقته منذ عام 1981

عرض في «متحف متروبوليتان» بالاستعارة فانكشفت قصته

تعدّ تحفة «رأس الثور» واحدة من بين 2000 تحفة أثرية اكتشفت في معبد بصيدا ({الشرق الأوسط})
تعدّ تحفة «رأس الثور» واحدة من بين 2000 تحفة أثرية اكتشفت في معبد بصيدا ({الشرق الأوسط})
TT

«رأس الثور» يعود إلى لبنان بعد سرقته منذ عام 1981

تعدّ تحفة «رأس الثور» واحدة من بين 2000 تحفة أثرية اكتشفت في معبد بصيدا ({الشرق الأوسط})
تعدّ تحفة «رأس الثور» واحدة من بين 2000 تحفة أثرية اكتشفت في معبد بصيدا ({الشرق الأوسط})

هما زوجان أميركيان يهويان جمع الآثار والتحف القديمة وشاءت الصدف أن يعرضا منحوتة يملكانها في «متحف متروبوليتان» الأميركي على سبيل الإعارة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يرفع من قيمتها المادية والأثرية في حال قررا بيعها.
إلا أن حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر أحيانا كثيرة، وهو ما حصل بالفعل مع الزوجين اللذين تفاجآ باتصال من المتحف المذكور يعلمهما بأن هذه التحفة وتدعى «رأس الثور»، ستعود إلى صاحبها الأصلي ألا وهو «متحف بيروت الوطني».
«هي قصة غريبة، وما استطاع القيام به وزير الثقافة دكتور غطاس خوري، هو إنجاز بحد ذاته، وقد نستطيع من خلال هذه المنحوتة أن نتوصّل إلى أخرى مفقودة من المكان نفسه». تقول آن ماري عفيش، مديرة متحف بيروت الوطني في حديث لـ«الشرق الأوسط».
تعدّ تحفة «رأس الثور» واحدة من بين 2000 تحفة أثرية اكتشفت في معبد أشمون الفينيقي في صيدا، خلال أعمال تنقيب كانت تقوم بها وزارة الثقافة في لبنان (عام 1967). وفي أواخر السبعينات خلال الحرب اللبنانية، وخوفاً من سرقتها أو تلفها نُقلت إلى مستودع يتألف من غرف تحت الأرض يقع بالقرب من قلعة جبيل الأثرية، وذلك بمبادرة من المدير العام للآثار في حينها موريس شهاب. لكن في خضم الحرب تحديداً في عام 1981 تعرضت هذه الغرف للسرقة واختفت منها نحو 600 تحفة ومنحوتة، من بينها «رأس الثور». وتمثل هذه القطعة الأثرية المصنوعة من الرخام، واحدة من آلهة الشفاء لدى الفينيقيين، الذين كانوا يقصدونها مع أطفالهم وأفراد عائلاتهم طلبا للشفاء من مرض ما في «بستان الشيخ» الواقع في معبد أشمون.
وتتألف باقي القطع الـ600 المفقودة من المكان نفسه من تماثيل نصفية وأخرى كاملة لأولاد الفينيقيين. وكانت المنحوتة المذكورة موضوعة على عمود أثري كـ«تاج عمود» تعرف بـ(chapiteau) في عالم الآثار بعد أن فقدت قطعة من ملامح وجهه.
وفي تفاصيل قضية استرجاعها، تروي آن ماري عفيش بأن منظمة اليونيسكو عممت في عام 1970، قراراً يوجب على جميع المتاحف في العالم التقيد باتفاقية أخلاقية تقضي بأن تُعلم بعضها في حال ساورتها الشكوك بشأن قطعة أثرية مسروقة، وذلك في مبادرة من منظمة اليونيسكو لحماية آثار كل بلد في حال حصول أي نزاع دولي على أن تُعاد القطعة إلى مصدرها الأصلي.
وفي عام 2016، تلقى المتحف الوطني في بيروت، وبموجب هذا الاتفاق من المتحف الأميركي المذكور، كتابا يُعلمهم فيه بشكه في وجود قطعة أثرية لديه عن طريق الإعارة، قد تعود ملكيتها إلى لبنان؛ كون تاريخها يعود إلى عصر الفينيقيين، وختم مدير المتحف رسالته بتوجيهه إلى الجهة اللبنانية سؤالا واضحا يقول: «هل يا ترى هذه القطعة الأثرية تعود إليكم؟».
وبعد أن اطلع الخبراء اللبنانيون على صورة المنحوتة تعرفوا إليها مباشرة وتأكدوا منها كون المتحف الوطني يملك لائحة مفصلة عن القطع الأثرية المفقودة من لبنان والموثقة بواسطة بيانات تعرف عنها. وهي كناية عن بطاقة هوية تحمل اسمها وتاريخ ومكان اكتشافها وقياساتها ومرفقة مع صورة فوتوغرافية وباقي المعلومات عنها. أما الوثيقة التي ساهمت أيضا في تأكيد ملكية لبنان لها فهو اكتشاف وجود محضر شرطة حرر في عام 1981 يعلِم عن حادثة سرقتها من مستودعات جبيل، حيث كان يتم الاحتفاظ بها إلى جانب 599 قطعة أثرية أخرى.
«هذه الرسالة تلقيناها في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2016 عندما التقيت بمدير متحف متروبوليتان في نيويورك، أثناء مشاركتي في مؤتمر للآثار عقد في إمارة أبوظبي، فما كان من وزير الثقافة غطاس خوري إلا أن اتصل بالسفارة الأميركية في بيروت يخبرها بالمعلومات التي لديه؛ مما أسفر عن قيام تعاون بينهما وعن تعيين مكتب المدعي العام في مقاطعة نيويورك لتسلم القضية»، تروي عفيش في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وتضيف: «وبناءً عليه وافق مكتب كليري غوتليب القانوني على تمثيل الوزارة دون مقابل في الدعاوى المدنية المتعلقة في هذه القضية، وذلك إثر رفض الزوجين الأميركيين إعادة المنحوتة إلينا، وبعد أن رفعا دعوى قضائية ضدنا مبررين امتلاكهما لها رسميا وفق ما دفعاه مقابل شرائها وهو مبلغ 1.2 مليون».
واكتشف مكتب المدعي العام الأميركي خلال التحقيقات أن هناك 6 أشخاص متورطين في هذه القضية، ويؤلفون مجموعة التجار الذين تناوبوا على شرائها إلى حين امتلاكها من قبل الزوجين الأميركيين.
صادر مكتب المدعي العام الأميركي القطعة في يوليو (تموز) الماضي وذلك بناءً على حكم قضائي صادر عن المحكمة. وسيتم عرضها فيما بعد في مقر السفارة اللبنانية في أميركا، حيث سيتسنى للجالية اللبنانية هناك مشاهدة «رأس الثور» عن قرب وليجري إرساله بعدها إلى لبنان في غضون 15 يوماً.
واللافت، أن هذه القضية من شأنها أن تساهم في إعادة منحوتة أخرى تعود للمجموعة نفسها «من معبد أشمون» تعرفت عليها مديرية الآثار في متحف بيروت عندما أرسل إليها مكتب الادعاء الأميركي أحد أعداد مجلة «هاوس اند غاردن» الأميركية، وتضمن صورا عن منزل الزوجين الأميركيين والتحف الموجودة لديهما. وظهرت بينها قطعة أثرية وهي كناية عن جزع تمثال لصبي صغير فينيقي.
«ستتعاون الوزارة مع مكتب المدعي العام لإثبات سرقة هذه القطعة الأثرية من لبنان على أمل استرجاعها قريبا، وعلى أن تدرج في القضية نفسها»، بحسب ما تخبرنا مديرة المتحف آن ماري عفيش. ومن المتوقع أن يعقد وزير الثقافة غطاس خوري مؤتمرا صحافيا يعلن فيه عن تفاصيل عملية استرجاع «رأس الثور» بعد أن يتم استقباله رسميا في مطار بيروت الدولي.


مقالات ذات صلة

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

يوميات الشرق تم بيع القطعة النادرة بـ2.09 مليون دولار ضمن مزاد في جنيف (أ.ف.ب)

بمليوني دولار... بيع قطعة نقود رومانية نادرة تحمل صورة بروتوس

بيعت قطعة نقود ذهبية رومانية نادرة جداً تحمل صورة بروتوس، أحد المشاركين في قتل يوليوس قيصر، لقاء 2.09 مليون دولار ضمن مزاد أقيم الاثنين في جنيف

«الشرق الأوسط» (جنيف)
يوميات الشرق بقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود لعصر الإيوسيني المبكر في طبقات لصخور جيرية (الشرق الأوسط)

اكتشاف تاريخي لبقايا كائنات بحرية في السعودية عمرها 56 مليون سنة

أعلنت هيئة المساحة الجيولوجية في السعودية اليوم (الأحد)، عن اكتشاف لبقايا كائنات بحرية يتجاوز عمرها 56 مليون عام وتعود للعصر الإيوسيني المبكر.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق معرض يحكي قصة العطور في مصر القديمة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

معرض أثري يتتبع «مسيرة العطور» في مصر القديمة

يستعيد المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) سيرة العطر في الحضارة المصرية القديمة عبر معرض مؤقت يلقي الضوء على صناعة العطور في مصر القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفيلا تدلّ على «أسلوب حياة فاخر» (تيفونت أركيولوجي)

اكتشاف آثار فيلا رومانية فاخرة على الأرض البريطانية

اكتشف علماء آثار و60 متطوّعاً فيلا رومانية تدلّ على «أسلوب حياة فاخر»، وذلك في مقاطعة يلتشاير البريطانية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة «اليونيسكو»، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء» تراثاً ثقافياً لا مادياً.


«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.