توقفت ضربات قلبه، لكن ضربات فرشاته لا تزال نابضة بالحيوية والطاقة الإبداعية... هذا ما يعكسه المعرض الاستيعادي للفنان التشكيلي المصري جميل شفيق (1938 - 2017)، بغاليري مصر، في حي الزمالك بالقاهرة. شفيق أحد أبرز الفنانين المعاصرين الذين بزغ نجمهم في ستينات القرن العشرين، اشتهر بشغفه باللونين الأبيض والأسود، وكان فناناً ومثقفاً من طراز خاص، وكان من بين «الحرافيش» رفقاء الأديب الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ في لقاءاته الأسبوعية.
وحضر افتتاح المعرض الفنان والنحات الكبير آدم حنين، وعدد من المهتمين بالفن التشكيلي. وقال حنين لـ«الشرق الأوسط»: «شفيق من بين الفنانين الذين استمعوا لصوتهم وحسهم الداخلي، واستطاعوا إخراج طاقاتهم الإبداعية، رغماً عن الظروف السوداوية المحيطة؛ يشعر معه المتلقي بطاقة نور روحانية، على الرغم من لوحاته التي تتحدث بالأبيض والأسود».
وتقول ندا ناجي، مديرة غاليري مصر، لـ«الشرق الأوسط»: «يضم المعرض أكثر من 60 لوحة، من بينها لوحات لم تعرض من قبل، وتعرض للجمهور لأول مرة، وأيضاً يتضمن المعرض جزءاً من اللوحات التي رسمها الفنان الراحل بالألوان»، مشيرة إلى أن الغاليري يستعد خلال العام المقبل لإقامة معرض آخر يضم لوحات أخرى لم تعرض من قبل، إلى جانب بعض من أعماله النحتية.
ويأخذك شفيق بخطوطه المظللة مسلتهماً قوة الطاقة الكونية، فتنساب حالة من السلام النفسي عبر تكوينات الظلال ومساحات اللون الأبيض، متسللة للمتلقي ليحلق معها في حالة نشوة روحانية. وقد جسد المرأة كأنّها متماهية مع الفضاء الكوني، تستمد طاقاته التي تعطيها نظراتها القوية الصارمة التي تتحدى الصعاب، في فضاءات ظلامية يتسرب من بين تجاعيدها وملامحها الساكنة ضوء شارد، كأنّما هي محاولاتها للبحث عن ذاتها.
وتقول الفنانة التشكيلية أمل نصر: «إن صور جميل شفيق تحفل بجميع مظاهر حب الحياة، وكل رموز الخصب والخير الوفير، وهو يجمعها معاً في مشاهد ميتافيزيقية حالمة تجعل مشاركتها معه متعة جمالية كبيرة. خيول ترتع بين التلال أو تشرب من المياه أو تقف بخيلاء، وتذكرنا خيول شفيق بتاريخها الأسطوري، حيث كان القدماء يهبون للبحر أضحيات من الخيل، وكانت تعد رموزاً للخصوبة، ويظهر في المشهد أكثر من امرأة تختفي جزئياً في الماء، بينما نجد السمكات متناثرة فوق سطح المياه، وكبراهن تستقر على رأس امرأة تحت المياه لا يظهر منها إلا هذا الجزء من الرأس؛ مخلوقات تبادلت مواقعها في الطبيعة، وهنا تكمن مفارقة الصورة، حيث إنها وفقاً لمنطق الصورة متعايشة متوائمة في جوها الخيالي الموحي».
ولد جميل شفيق في مدينة طنطا، بمحافظة الغربية، 1938، وتخرج في كلية الفنون الجميلة قسم التصوير 1962، وواصل دراسته في المعهد العالي للتذوق الفني 1975، وكان عضواً في نقابة الفنانين التشكيليين وأتيليه القاهرة ونقابة الصحافيين، وقد عمل رساماً صحافياً منذ عام 1959، ومستشاراً فنياً في الجمعية العربية للتربية والثقافة والعلوم من 1979 حتى 1984.
يقول الفنان الناقد الفني صلاح بيصار، عبر صفحته على موقع «فيسبوك»: «يأتي هذا المعرض تقديراً للفنان جميل شفيق وإسهاماته في الحركة التشكيلية، لما تركه من ميراث رائع من الأعمال الفنية، كما تتلمذ على يده كثير من الفنانين، وبات أسلوبه مُلهماً لكثير منهم».
وعلى الرغم من أنه درس التصوير، فإن شفيق فضّل أن يرسم بالأحبار السوداء التي تظهر مهارة العمل، حيث إنّ حساسيته بالغة الأهمية لأنه يستخدم لوناً واحداً للتحرك بين العناصر المختلفة من الخط والملمس والظل والضوء، لخلق علامات ورموز تظهر الملحمة الرومانسية بأسلوب أدبي شعري، ويرجع ذلك إلى عالم الخيال الذي لا يتعارض مع الواقع. وقد قدم الفنان كثيراً من المعارض الخاصة، داخل وخارج مصر، كما شارك في كثير من الفعاليات الفنية الجماعية كذلك، ولديه مقتنيات في المتحف المصري للفن الحديث في القاهرة، ووزارة الثقافة المصرية، والبنك الأهلي المصري، ومُحبي الفن في مصر والدول الأجنبية.
غاليري مصر يستعيد الراحل جميل شفيق بنبضات فرشاته
معرض في القاهرة يضم 60 لوحة بعضها لم يعرض من قبل
غاليري مصر يستعيد الراحل جميل شفيق بنبضات فرشاته
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة