أدى الحصار الإسرائيلي المشدد على قطاع غزة منذ أحد عشر عاما، إلى تراجع الكثير من المهن واقترابها بعضها من الانقراض، في حين شهدت مهن أخرى ازدهارا ملحوظا بعد أن شارفت على الانقراض منذ سنوات طويلة جدا، لأسباب عدة، كان أبرزها التطور الذي دخل على بعض الصناعات المهنية في سنوات ما قبل الحصار.
وأدت ثلاث حروب خلال سنوات الحصار، إلى تضرر الاقتصاد في قطاع غزة بشكل كبير. فقد دمرت الحرب آلاف المصانع والورش والمعامل التي لم تستطع استعادة حضورها إلى اليوم، بعد الخسارة المادية الكبيرة التي تعرضت لها؛ ما دفعها إلى الاستغناء عن آلاف العمال، وهو ما رفع من نسبة البطالة العالية أصلا.
فتراجعت خلال هذه السنوات، بشكل كبير، مصانع الملابس وخياطتها بأنواعها واقتربت من الانقراض في ظل تراجع فرص تصدير منتجاتها إلى حد العدم. غير أن تغيرا طرأ خلال الأشهر الأخيرة؛ إذ نشطت خمسة مصانع من أصل أكثر من 500 مصنع للخياطة، كانت تنتعش بأعمالها وعمالها، وتبيع منتجاتها في للأسواق المحلية، وتصدر بعضها إلى الضفة الغربية وإسرائيل. في المقابل، ما زالت أعمال النجارة «الموبيليا»، في حالة من الركود والتراجع المستمر، نتيجة للحظر الإسرائيلي على دخول الأخشاب إلى قطاع غزة، رغم الطلب الكبير عليها. بينما انقرضت بشكل واضح تجارة الأنفاق، التي كان يعمل فيها الآلاف من الشبان من أجل كسب قوت يومهم.
يقول إسماعيل حسونة، أحد أصحاب مصانع الخياطة، إنه أغلق مصنعه أخيرا، نتيجة لعدم قدرته على استيراد الأقمشة من الخارج، بسبب إغلاق المعابر لفترات طويلة. وأشار إلى أن مصنعه كان يستوعب 45 عاملا كانوا يعملون في إنتاج الملابس الرجالية والنسائية وملابس الأطفال بأنواعها المختلفة. وكان كثيرا ما يصدر منها إلى الضفة الغربية وإسرائيل. وقال: إن إسرائيل أغلقت المعابر منذ نهاية عام 2007 وحتى منتصف عام 200، وحين سمحت بفتحها أمام البضائع، كان ذلك جزئيا، في حين استمر منع إدخال الأقمشة والمواد اللازمة للخياطة والماكينات، واستمر ذلك حتى نهاية عام 2014. وأضاف حسونة: «غالبية المصانع فقدت قدرتها على الاستمرار في أول ستة أشهر من الحصار، في حين استمرت الأزمات وتضاعفت في السنوات التي تلتها، وأدت تدريجيا، إلى إغلاق جميع المصانع الخاصة بهذه المهنة، واعتمد تجار بيع الملابس على ما يجري تهريبه عبر الأنفاق التي ازدهر عملها في تلك السنوات».
وأشار إلى أنه مع نهاية عام 2014 وبداية عام 2015، بدأت بعض المصانع التي استطاعت الحفاظ على رأسمالها بتشغيلها واستثمارها في مهن أخرى، وتمكنوا في فترات لاحقة، من إدخال الأقمشة عبر المعابر الإسرائيلية بعد محاولات لم تتوقف، وعاد بعضهم للتنسيق من أجل بيع بعض ما يستطيعون إنتاجه من ملابس في الأسواق المحلية في غزة. إلا أن هؤلاء ظلوا مجموعة صغيرة، لم تتعد المصانع الخمسة التي ظلت تعمل بشكل غير منتظم. وقد سمح لها، أخيرا، بتصدير بعض الملابس من غزة إلى الضفة الغربية وإسرائيل.
وكانت السلطات الإسرائيلية سمحت في 13 من الشهر الحالي بتصدير شحنة ملابس هي الثانية، بعد أن كانت سمحت في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، بتصدير شحنة أولى إلى إسرائيل والضفة الغربية، لأول مرة منذ عام 2007، وشملت الشحنة التي جرى تسويقها من قبل شركة «يونيبال» لإنتاج الملابس، 3500 قطعة من الملابس الجاهزة المختلفة. وقال رئيس مجلس إدارة الشركة، بشير البواب، في تصريح صحافي له، تعقيبا على ذلك: إن الاحتلال تعهد بالسماح بمواصلة نقل شحنات لاحقة من الملابس المنتجة في غزة إلى السوق الإسرائيلية مباشرة.
وقال: إن من شأن هذه الشحنة، بالمقابل، أن تشجع التاجر الإسرائيلي على استئناف علاقاته مع مصانع القطاع، كما تمثل بداية لعودة التصدير إلى السوق الإسرائيلية كما كان عليه الأمر ما قبل عام 2007.
وفي السنوات الخمسة الأخيرة، نشطت خياطة الملابس النسائية، على أيدي نساء يعملن في منازلهن، بعد أن كانت هذه المهنة قد انقرضت منذ تسعينات القرن الماضي، مع ظهور المصانع الأكثر تطورا وقدرة على الإنتاج بشكل أكبر.
وتقول باسمة شعبان، إنها اشترت ماكينة صغيرة، وبدأت بالعمل في تفصيل ملابس نسائية داخل بيتها. وإنها تستقبل الكثير من النساء. وأشارت إلى أن هناك الكثير من النساء يحبذن الملابس القريبة من الموضة، والتفصيل الجيد، واستخدام أنواع من الأقمشة أفضل من تلك التي تستوردها المحلات التجارية. لافتة إلى أن ذلك دفع الكثير من أصحاب محال الألبسة إلى اللجوء إليها وإلى نساء أخريات يعملن من منازلهن للعمل لصالحهم.
وقالت: إنها عادت إلى مزاولة هذه المهنة، التي تدربت عليها قبل أكثر من 20 عاما، في أحد مشاغل الخياطة التي كنت تنشط بالقطاع آنذاك، بهدف توفير مصدر دخل لعائلتها، وبخاصة أن زوجها عاطل عن العمل منذ عام 2000، بسبب منع إسرائيل عمال غزة من العمل لديها.
ويلاحظ خلال سنوات عمر الحصار، تراجع مهنة النجارة «الموبيليا» مع فرض إسرائيل حظرا على إدخال الأخشاب إلى القطاع بحجج أمنية. ويقول بلال درويش، أحد أصحاب ورش النجارة، إنه اضطر إلى إغلاق ورشته سبعة أعوام خلال فترة الحصار، مشيرا إلى أنه عاد منذ عام 2015، للعمل فيها بعد نجاح أصحاب الأنفاق في تهريب كميات كبيرة من الخشب إلى غزة ما بين 2014 وحتى بداية 2016.
وأشار إلى أنه منذ منتصف عام 2016، بدأت الأمور تزداد تعقيدا من جديد، مع اشتداد الحملة الأمنية المصرية على الأنفاق. لافتا إلى أن إسرائيل بدأت تسمح للتجار، أخيرا، باستيراد بعض أنواع الخشب، ولذلك؛ فإن الوضع ما زال ضعيفا مقارنة بسنوات ما قبل الحصار.
وقال: إن أصحاب ورش النجارة، لم يتمكنوا من توفير احتياجات السكان وطلباتهم، بسبب نقص المواد الخام اللازمة لذلك، وهم يأملون في أن يجري تجاوز العقبات ويسمح بتصدير الأثاث المنزلي إلى الخارج كما كان سابقا.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، نهاد نشوان: إن خسائر قطاع غزة، خلال سنوات الحصار، اقتصاديا، كبيرة جدا، بسبب انخفاض الناتج المحلي. وأشار نشوان إلى أن مئات المصانع لم تعمل لسنوات بسبب عدم توفر مواد الخام، ونتيجة حرمان بعضها من التصدير إلى الخارج، مثل المهن الزراعية كتصدير التوت الأرضي والورد إلى أوروبا وإسرائيل وغيرها. وأشاد بمهنية وحرفية الأيدي العاملة في غزة، لكنه أشار إلى انخفاض دخلها أيضا؛ ما شجع دولة مثل الأردن على استيراد الأثاث المنزلي من قطاع غزة نظرا لجودته وانخفاض أسعاره.
ورجح أنه في حال نجحت المصالحة الفلسطينية ورفع الحصار بشكل كامل عن القطاع، أن تشهد الأوضاع تطورات ملموسة ونتائج جيدة. لافتا إلى أن ذلك لن يكون على المدى القصير، ويحتاج إلى بعض الوقت نظرا لما خلفه الحصار من آثار في مختلف المجالات. وقال إن «المصالحة هي جوهر الإنعاش الاقتصادي لأسباب عدة، منها إعادة إعمار القطاع، ودخول مستثمرين جدد إلى السوق، وفتح باب الصادرات من القطاع وعودة الكادر الوظيفي له».
الغزيون يتطلعون إلى استعادة العافية للقطاع من بوابة المصالحة
11 عاماً قضت على مهن وأفقرت كثيرين ونمت في ظلها تجارة الأنفاق وازدهرت
الغزيون يتطلعون إلى استعادة العافية للقطاع من بوابة المصالحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة