المناطق المتنازع عليها تتخوف من شرارة المواجهة

المناطق المتنازع عليها تتخوف من شرارة المواجهة
TT

المناطق المتنازع عليها تتخوف من شرارة المواجهة

المناطق المتنازع عليها تتخوف من شرارة المواجهة

غداة يوم استفتاء تاريخي متوتر في كركوك، يرفض أبناء المكون العربي، الذين قاطعت غالبيتهم عملية التصويت، الحديث عن شعور بالخوف من أي تهديدات قد تمس وجودهم في المحافظة النفطية التي توجد فيها مصالحهم وعائلاتهم.
ويقول عضو مجلس محافظة كركوك عن المكون العربي الشيخ برهان العاصي إن «العرب رافضون للاستفتاء، كركوك فيها مكونات رئيسية ولا يجوز تجاوز رأيها». لكن العاصي يحاول مع ذلك التخفيف من حدة التوتر قائلاً: «لنكن صادقين، أبناء كركوك لا يطلبون شيئاً غير التعايش، جميعهم لديهم مصالح».
وتعد كركوك من أبرز المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان. وتصاعد التوتر في المحافظة بعيد إعلان ضمها إلى المناطق التي أجري فيها الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان، ما أثار غضب بغداد، ودفعها إلى إقالة المحافظ. وفي يوم الاستفتاء، وقبل نحو ساعتين من إغلاق مراكز الاقتراع، أمرت سلطات المحافظة الغنية بالنفط بفرض حظر للتجول في وسط المدينة وجنوبها، حيث العرب والتركمان، خوفاً من أي حزازات مع الأكراد المحتفلين.
ولكن مع الفجر الجديد في المدينة، ورفع حظر التجول، بدت الحياة طبيعية جداً داخل الأحياء، مع افتتاح المحال لأبوابها وعودة السكان إلى أعمالهم، خصوصاً العرب منهم. وسرت إشاعات في كركوك التي يطلق عليها الأكراد اسم «قدس كردستان» تفيد بأن أكراد المدينة سينتقمون ممن لم يشارك في عملية التصويت، لكن «أحداً لم يطرق بابنا أو يجبرنا على أي شيء» وفق ما يشير محمد الموفق، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. ويقول الموفق، داخل مقهى الصالحي في منطقة دوميز التي يقطنها عرب وتركمان: «نحن لم نقترع، لا أحد من عائلتي اقترع. هذا شأن كردي وهو حقهم. لنرى كيف ستجري الأمور، ولا يهمنا إن كنا تابعين لبغداد أو كردستان، ما يهمنا هو لقمة عيشنا».
وإضافة إلى كركوك، يسود التوتر مناطق أخرى في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين. وتسيطر قوات «البيشمركة» الكردية على تلك المناطق منذ العام 2014 في أعقاب الفوضى التي سادت البلاد مع الهجوم الواسع الذي شنه تنظيم داعش.
وفي محافظة ديالى، شمال بغداد، التي تطالب حكومة كردستان بمناطق فيها، يعرب كثيرون عن خوفهم من وقوع اشتباكات بين العرب والأكراد. ولا يخفي الشيخ هيثم الحوم، وهو زعيم إحدى القبائل العربية السنية الكبيرة في منطقة الندى، خشيته من هذا الأمر وهو يستقبل ضيوفه داخل ديوانه بمندلي قرب الحدود الإيرانية.
ويقول هذا الرجل الذي يرتدي اللباس القبلي التقليدي: «نخشى وقوع اشتباكات بين الجيش العراقي والبيشمركة بعد قرار البرلمان». وتتمركز «البيشمركة» في ديالى بشكل رئيسي داخل خانقين وجلولاء، فيما تخضع المناطق الأخرى لسيطرة الجيش والشرطة.
وإلى الجنوب قليلاً، وتحديداً في منطقة السعدية، يعرب عبد الله الزرقوشي، وهو زعيم عشيرة كردية شيعية، عن المخاوف نفسها. ويقول: «لقد قمنا بتعزيز الإجراءات الأمنية، ونشرنا قواتنا التابعة لـ(الحشد الشعبي) في محيط السعدية». ويضيف وهو يرتدي جلبابه الأبيض: «في الماضي منعنا (داعش) من الدخول، وسنمنع أي شخص من الدخول إلينا».
حتى خانقين، ذات الحضور الكردي الكبير، تسعى إلى تجنب الفوضى. ويوضح بائع الخضار دلشاد دلير: «إذا كنا صوتنا لانفصال إقليم كردستان، فهذا لا يعني أننا نريد حروباً ودماء بيننا وبين القوات الأمنية من الحكومة المركزية».
وفي محافظة نينوى الشمالية، عومل مسيحيون من الحمدانية بطريقة سيئة على أحد حواجز «الحشد الشعبي». ويقول أحد المواطنين المسيحيين: «كانوا يفحصون أصابعنا ليروا إذا ما كان عليها حبر... ومن يجدون حبراً على إصبعه (دليلاً على مشاركته في التصويت)، يذلونه».
من جهة ثانية، يشير الإيزيدي خليل جمعة الآتي من بعشيقة شرق الموصل إلى أن «الأهالي لم يعد يهمهم من يحكم أو يحفظ أمن المنطقة، بقدر ما يهمهم أن يعيشوا بسلام وأمان، رغم أنهم متخوفون من عودة الاشتباكات والاضطربات مرة أخرى إلى المنطقة».
وعلى مقربة منه، في برطلة شرق الموصل، يؤكد يوسف الشبكي من الأقلية الشبكية: «اليوم نحن نشعر بقلق من تطورات الأحداث في سهل نينوى، والمناطق المتنازع عليها في نينوى التي تضم العديد من الأقليات، وعانت كثيراً خلال السنوات الماضية، ولم تحصل على الحماية اللازمة، سواء من حكومة بغداد أو من إقليم كردستان». ويضيف أن «أفضل حل لتأمين حماية المناطق المتنازع عليها هو بوجود قوات أمنية مشتركة من الطرفين، تحت رعاية الأمم المتحدة، وتدار من قبل غرفة عمليات مشتركة».
وفي منطقة طوز خرماتو التابعة لمحافظة صلاح الدين شمال بغداد، ذات الغالبية التركمانية والأقلية الكردية، يقول عضو المجلس البلدي يعرب سعيد محمد: «تخوفنا فقط من أن تحصل شرارة بين البيشمركة والقوات الحكومية، عندها ستحصل كارثة لا سمح الله ويسقط ضحايا من الطرفين».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».