باريس: عازمون على توفير «أقصى دعم شامل» لمدريد في محاربة الإرهاب

باحث فرنسي يعتبر أن إسبانيا لعبت دور «القاعدة الخلفية» للمتطرفين في أوروبا

رجال شرطة مكافحة الإرهاب عقب ضبط أحد المشتبه بهم في تنفيذ حادث الدهس في برشلونة في منطقة كاتالونيا أمس (أ.ف.ب)
رجال شرطة مكافحة الإرهاب عقب ضبط أحد المشتبه بهم في تنفيذ حادث الدهس في برشلونة في منطقة كاتالونيا أمس (أ.ف.ب)
TT

باريس: عازمون على توفير «أقصى دعم شامل» لمدريد في محاربة الإرهاب

رجال شرطة مكافحة الإرهاب عقب ضبط أحد المشتبه بهم في تنفيذ حادث الدهس في برشلونة في منطقة كاتالونيا أمس (أ.ف.ب)
رجال شرطة مكافحة الإرهاب عقب ضبط أحد المشتبه بهم في تنفيذ حادث الدهس في برشلونة في منطقة كاتالونيا أمس (أ.ف.ب)

مع وقوع 26 إصابة بينها 11 إصابة خطيرة في صفوف الفرنسيين في عملية برشلونة وحدها، تكون باريس قد دفعت الثمن الأكبر لما وقع في عاصمة كتالونيا.
وسارع رئيس الجمهورية الذي اتصل برئيس الحكومة الإسبانية عارضا خدمات بلاده «في الميادين كافة»، إلى إرسال وزير خارجيته جان إيف لو دريان لعيادة الجرحى فيما وصل فريق طبي لمد يد العون للسلطات الكتالونية. وفي السياق عينه، وعد رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب بتوفير «أقصى درجات التعاون الشامل» مع الطرف الإسباني خصوصا في المجال الأمني وتبادل المعلومات. وبموازاة ذلك، عمدت النيابة العامة الباريسية، بسبب إصابة فرنسيين، إلى فتح تحقيق قضائي يتناول العمليتين الإرهابيتين اللتين حصلتا في برشلونة وفي منتجع كامبريلس، مما يفترض وجود فرنسيين بين الضحايا السبع الذين أصيبوا بعملية الدهس الثانية. الأرجح أن ما يفسر العدد المرتفع للضحايا الفرنسيين هو ضخامة الجالية الفرنسية المقيمة في مقاطعة كتالونيا التي تقع على الجانب الآخر من الحدود المشتركة مع إسبانيا.
ووفق الأرقام المتوافرة من القنصلية الفرنسية في برشلونة ومصادر أخرى، فهناك ما يزيد على 60 ألف فرنسي يقيمون في المقاطعة المذكورة؛ أكثر من نصفهم في عاصمتها. يضاف إلى ذلك آلاف المصطافين والسياح الذين هجروا الشواطئ التونسية والتركية والمواقع السياحية والأثرية في مصر وغيرها من البلدان المتوسطية التي تعاني من الإرهاب، إلى المناطق الساحلية الإسبانية القريبة.
وتعد المصادر الأمنية الفرنسية ما حصل في إسبانيا «امتدادا» و«استنساخا» لما شهدته المدن الفرنسية والأوروبية من عمليات إرهابية في السنتين الأخيرتين، خصوصا منذ شهر يوليو (تموز) الماضي الذي «دشنت» فيه عمليات الدهس بواسطة السيارات أو الشاحنات. وكانت أكثرها دموية ما عرفته مدينة نيس الساحلية ليل 14 يوليو من عام 2016 حين أوقعت عملية صدم نفذها التونسي محمد لحويج بوهلال بشاحنة تبريد مستأجرة تزن 16 طنا، 68 قتيلا و458 جريحا. وتبرز هذه المصادر نقاط التشابه مع مقتلة برشلونة التي حصدت 14 قتيلا وأكثر من مائة جريح، من حيث اختيار «هدف» كثيف سكانيا وله رمزية خاصة لجهة وجود مواطنين وسياح من كثير من بلدان العالم، مما يوفر صدى إعلاميا كبيرا.
يقول الباحث الفرنسي في شؤون الإرهاب والأستاذ في المعهد الفرنسي للعلوم السياسية جان بيار فيليو، إن برشلونة وضاحيتها ومنطقتها «إحدى كبرى» ثلاث بيئات حاضنة للوجود «الجهادي» في إسبانيا؛ حيث إن البيئة الثانية تتمثل في العاصمة مدريد ومحيطها، والثالثة في جيبي سبتة ومليلة الواقعين على التراب المغربي. ووفق جان شارل بريزار، رئيس مركز دراسة الإرهاب، فإن الشرطة الكتالونية قامت، في الأعوام الأخيرة، بتوقيف 700 شخص لميولهم الراديكالية وأحيانا «الجهادية».
كذلك، فإن مقاطعة كتالونيا هي البلد المصدر لغالبية «الجهاديين» الإسبان الذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية خصوصا «داعش» في سوريا والعراق، كما أن ثلث الذين أدينوا بانتماءات أو نشاطات إرهابية في إسبانيا جاءوا من مقاطعة كتالونيا، والثلث الثاني من مدريد ومحيطها. وقد عمدت النيابة العامة الإسبانية المتخصصة في الشؤون الإرهابية إلى فتح 40 تحقيقا قضائيا في الفترة عينها. ويرى الباحث الفرنسي أن ما شهدته كتالونيا في الساعات الأخيرة «عمليات مدبرة وجماعية وخضعت لتحضير دقيق وطويل من أجل إيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا».
ويذهب فيليو إلى اعتبار أن إسبانيا التي عرفت في عام 2004 أكبر عملية إرهابية في أوروبا (191 قتيلا ومئات الجرحى) تلعب دور «القاعدة الخلفية للجهاديين». وتفيد التحقيقات التي قامت بها الأجهزة الأمنية الفرنسية بأن كثيرا من الذين اقترفوا عمليات إرهابية في فرنسا مروا بكتالونيا، ومنهم على سبيل المثال أحمدي كوليبالي مرتكب مجزرة المخزن اليهودي في باريس بداية عام 2015.
ولمن يميل إلى اعتبار عمليات الساعات الأخيرة الإرهابية بمثابة «مفاجأة»، يذكر الباحثان الفرنسيان أن الأجهزة الإسبانية ومنها الكتالونية نجحت في تعطيل 7 عمليات إرهابية في الأشهر الأخيرة، وأن الأمن الكتالوني عمد في 2015 إلى تحييد خلية «جهادية» كبيرة في مدينة تيراسا القريبة من برشلونة وكانت تتألف من 11 شخصا بينهم 6 أشخاص اعتنقوا الديانة الإسلامية حديثا، وهم 5 مواطنين إسبانيين ومواطن من باراغواي.
درج في القاموس الأمني والسياسي والإعلامي في الأشهر الأخيرة وربطا بالعمليات الإرهابية التي ترتكب عن طريق استخدام حافلة أو سيارة، تعبير «الإرهاب بسيط التكلفة» أو الإرهاب «البدائي» الذي لا يحتاج إلى عمليات معقدة، وبالتالي يصعب التنبؤ به وتلافيه.
ويرى فريدريك غالوا الذي كان قائد قوة النخبة التابعة للدرك الوطني الفرنسي أن هذا النوع من الإرهاب يفترض اختيار ما يسميها، بحسب ما جاء في صحيفة «لوموند» في عددها ليوم أمس، «الأهداف الطيعة» أو «السهلة» مثل الأماكن التي يتجمع فيها آلاف الأشخاص، كالساحات والجادات والأماكن السياحية، وهو ما ينطبق على «متنزه الإنجليز» في نيس، وجادة «لاس رامبلاس» في برشلونة و«سوق الميلاد» في برلين... ويربط المحللون بين اختيار الهدف ووسيلة الاعتداء بـ«التعليمات» التي صدرت عن «داعش» وتحديدا عن أبو محمد العدناني الذي كان مسؤول العمليات الخارجية، خصوصا في أوروبا والناطق الرسمي باسم التنظيم حتى مقتله في شهر أغسطس (آب) من العام الماضي. وبرأيه، فإن كل تجمع لمدنيين يمكن اعتباره هدفا سهلا، مما يعني صعوبة تلافي الأعمال الإرهابية حاضرا ومستقبلا، وبالتالي يعني أنه على أووربا «التعايش» مع ظاهرة ستكون طويلة الأمد. وعلى أي حال، يتخوف الخبراء الأمنيون ومعهم السلطات المسؤولة ليس فقط مما تسمى «الخلايا النائمة» أو «الذئاب المنفردة»، ولكن أيضا «وخصوصا» من عودة المقاتلين الأوروبيين أو المقيمين في البلدان الأوروبية من «ميادين الجهاد»، بسبب ما يمثلونه من تهديد أمني، وبسبب الخبرات التي اكتسبوها من القتال في صفوف التنظيمات «الجهادية» أو الإرهابية.



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».